الثورة – يمن سليمان عباس:
ما تعرضت له سورية من عدوان منظم أعدَّ له أعداء الحياة والنور جعل حبر الكتاب والمبدعين المؤمنين بالوطن والإنسان يكتبون بدمائهم.. فكان الشعر وكانت الرواية وغيرهما.. كما كانت السينما والدراما والمسرح والتشكيل والمقال.
الناقد نذير جعفر المتميز وهو ابن حلب البار بها أصدر كتابه الجديد الذي حمل عنوان: قالت الحرب… شهادات ونصوص.. صدر عن اتحاد الكتاب العرب في دمشق.. الكتاب بستان من حبر النقاء والوطن.. وكما يقول الكاتب أنَّ مدوَّنة الحرب العدوانية على سورية لم تكتب بعد إلا في الجزء اليسير منها.
وما هذه الشهادات والنصوص سوى محاولة منا لفهم ما جرى وتحليله واستنباط العبر منه.
ولعل المرء يضع بذلك لبنة في صرح ما سيكتبه الأدباء والشعراء..
من كتاب “قالت الحرب” نقف عند ما كتبه عن واسطة العقد حلب.. واسطة العقد بين قارات العالم.
– حلب قصدنا..
يكتب جعفر قائلاً: حاولوا في الثمانينيات قتل روحها وجرها إلى مستنقعات ظلامهم وعفن أفكارهم لكنها انتصرت عليهم بعزيمة أبنائها الأوفياء وعقولهم المستنيرة وتضحيات جيشهم الشجاع الذي لم ينكث بالعهد والقسم، وككل مرة نهضت حلب درة الشمال ونفثة الوجدان وموسيقا الحجر وخزان الحضارات وأرشيف ذاكرة العالم نهضت بشموخ قلعتها وأناشيد متصوفتها، وأغاني قبتها لتلملم جراحها وتزهو من جديد بعمرانها واسواقها ومنتدياتها ومقاهيها وحدائقها ومساجدها وكنائسها ومصانع نسيجها العريقة، وتصدح بقدودها وتباهي عواصم الدنيا بتراثها وثقافتها ونسيجها الوطني الساحر متعدد الألوان والاطياف.
مع بداية خدعة الربيع العربي المشؤوم حاولوا من جديد زجَّها في حربهم الظالمة على الوطن فأبت الانقياد خلف نعيق غربانهم السوداءالمنذرة بالخراب وصمد معظم المثقفين فيها ورجال الدين وابناؤها ومحبوها المخلصون فجاؤوا بغوغائهم وسوقتهم ودهمائهم من البعيد الواقع تحت تأثير الجهادية التكفيرية والإغراءات الأردوغانية الماكرة، وزجُّوا بهم في أحيائها المتطرفة وبدأت عمليات تسلل الإرهابيين الغرباء القادمين عبر تركيا أفواجاً أفواجاً من القوقاز وأفغانستان والسعودية وقطر وسواها من نفيطيات الأعراب والتصحر الفكري والحضاري كما بدأت عمليات غسل الدماغ واستمالة السذَّج بالمال والسلاح مستغلين مظاهر البطالة والفساد هنا وهناك والانتهازيين من الداخل حتى سمموا الماء والهواء والتراب وقسموا حلب الواحدة ام الجميع إلى نصفين ليبدأ نزيف الدم على يد عصابات الإجرام من كل أصقاع العالم.
هذا النزيف الذي طال أبناءها كلهم فقتل آلاف الأبرياء وهدمت ونهبت مئات آلاف المنازل وهجَّر نحو نصف سكانها قسراً ليعانوا الفقر والتشرد والغربة والوقوف الطويل أمام مكاتب الهلال الأحمر للحصول على سلة غذائية بعدما كانوا سادة أنفسهم ومدينتهم وأمنهم الغذائي وكرامتهم.
تلك هي حرية الفكر الظلامي الموعودة.. ذلك هو ردُّ الجميل إلى حلب من قبل أردوغان والأعراب خدم للغرب المتوحش وعدو العرب والمسلمين الأول (إسرائيل).
لكن حلب الولادة بروحها الباسلة وعنوانها وإصرارها على الحياة والمود في وجه زارعي الموت والخراب ستنتصر، وكما صمدت وحمت بلاد الشام من الروم والتتار والمغول ستحمي سورية من الفاشية الجديدة المتمثلة في الغرب المتوحش وأدوات الرخيصة ستنتصر بشجاعة أبنائها واستبسالهم وتضحيات جيشهم فهو السبيل الوحيد لحمايتها وإعادة المهجرين والأمن والأمان إلى ربوعها التي حولها التكفيريون إلى مسارح للخطف والنهب والقتل المجاني للأبرياء بقذائف جهنم آخر اختراعات صنَّاع الموت وأعداء الحياة.
يقينا ستنتصر حلب فعلاً لا قولاً فهي عصية على الحاقدين الكارهين من المرتزقة الأجانب وفاقدي الضمير الوطني الذين باعوا أنفسهم لأعداء وطنهم التاريخيين من صهاينة ومتصهينين، كما هي عصية على مخططات استعمار ما بعد الحداثة المتوحش ومشاريعه الخبيثة لتفتيت سورية عبر فصل حلب عنها والاستفراد بها.
حلب أقوى من التآمر والإرهاب ومشغليه والمراهنين عليه فمنها انطلقت أول مطبعة وأول سفر نقدي ما يزال يحتفظ برونقه البهي، ومنها ستنطلق أولى بشارات انتصار سورية.