ما بين 1897حين عقد المؤتمر الصهيوني الأول في بازل في سويسرا بدعوة من تيودور هرتزل والمؤتمر الصهيوني الثالث والثلاثين الذي عقد في القدس عام 1997 مئة عام تماماً، فثمة فوارق بين المؤتمرين، حيث ضم الأول كل قادة الحركة الصهيونية العالمية وكبار مؤيديها، وحمل مشروع الدولة التي بشر بها تيودور هرتزل بالقول إنها ستقوم خلال خمسين عاماً أما المؤتمر الأخير فقد تغيب عنه بنيامين نتنياهو رئيس وزراء العدو آنذاك كما تغيب معظم المندوبين الصهاينة وسيطر الصراع والخلاف على الحضور، ما جعل بعض المراقبين والمتابعين يرى في ذلك بداية أفول الحركة الصهيونية الدعامة الأساسية للدولة اليهودية في فلسطين المحتلة، وهو ما انتهى إليه كثير من الباحثين الذين تعمقوا في دراسة اليهودية كظاهرة استيطانية واستعمارية، ومنهم وعلى رأسهم المفكر المصري عبد الوهاب المسيري الذي يعد أول باحث عربي كتب موسوعة تتعلق باليهود واليهودية والصهيونية من ثمانية أجزاء ومن خارج الأوساط اليهودية والصهيونية والتي تكمن أهميتها في الرؤية التي يقدمها المسيري عن اليهودية الصهيونية تلك الرؤية الجديدة التي أحدثت صدمة بين دعاة الصهيونية وأعدائها على حد سواء، فقد تلقى المسيري ثلاثة عشر تهديداً بالقتل من حركة كاخ الصهيونية المتطرفة حتى يكف عن العمل في الموسوعة ما جعله يعيش تحت الحراسة المشددة طوال سني عمله فيها، ولم تقف الأمور عند هذا الحد بل تم العمل على منع صدورها ولكن هذه المحاولات قد باءت بالفشل.
(ترى ما مستقبل إسرائيل والحركة الصهيونية من خلال وما تواجه الصهيونية من مآزق وكذلك الكيان الإسرائيلي في فلسطين وما محاور الصراع الجديدة ؟ فاليهودية وفق رؤية اليهود جنسية وليست مواطنة والجيب الاستيطاني لا ينجح إلا بإبادة السكان الأصليين هناك جماعات يهودية في أكثر من مكان، فاليهود يهودات يمين ويسار ديني وعلماني رباني وقرائي والحديث عن البروتوكولات تبرير للهزيمة والفشل أو هروب من الفشل)وما جرى مع الكيان الصهيوني من اتفاقيات هي في جوهرها سلام ظالم، وهذه اتفاقيات هدنة لأنها غير عادلة وليست اتفاقيات سلام، فالفكر العدواني دائماً يحمل ديباجة جميلة ليمرر نفسه كالاستعمار الذي حمل عنوان رسالة الرجل الأبيض لتخليص الشعوب من الجهل والفقر والدفع بهم باتجاه التطور وكذلك الصهيونية كالنازية.
ما طبيعة الحركة الصهيونية وما مستقبلها أسئلة يجيب عنها المسيري عبر موسوعته المشار إليها، وربما يعيد رسم ملامح الصراع العربي الصهيوني ومسيرة التسوية القائمة أو عكس ذلك، حيث يشير المسيري إلى أن أول احتكاك له مع اليهود أثار لديه هذا الإحساس، حيث سأل زميلة له في الجامعة أثناء دراسته في الولايات المتحدة الأميركية عن جنسيتها فأجابت بأنها يهودية، فاستغرب جوابها فأردفت أنت لا تفهم اليهودية عندنا في اليهودية الديانة هي الجنسية فدهش من الجواب لتصوره وقناعته أنهم في أوروبا وأميركا يفصلون ما بين الدين والدولة (وهنا وهذا رأينا أن السبب الأساسي في المشكلة اليهودية في أوربا هو بناء الدولة الوطنية العلمانية والفصل بين الدين والدولة وتحييد الدين عن السياسة، وهذا يتناقض مع العقيدة اليهودية التي تربط بين الدين والدولة من خلال الشريعة اليهودية بينما لا نلاحظ هذه الظاهرة في دول منطقتنا، حيث العامل الديني حاضر في كل مجالات الحياة فلم يشهد الوجود اليهودي أية مشكلة في المجتمعات الإسلامية).
من هنا لابد من أن نفسر الصهيونية تفسيراً جديداً بعيداً عن شعاراتها لأن جميع الحركات الاستعمارية كانت تحمل عناوين براقة وهذه الديباجات أو الاعتذارية يجب أن ننحيها جانباً، فالوجود اليهودي أو الصهيوني في فلسطين يعني غياب العنصر العربي الفلسطيني، وهذا شأن كل حالة استعمارية استيطانية كما حصل في أميركا للهنود الحمر وجنوب إفريقيا والجزائر تحت الاحتلال الفرنسي لذلك مقولة أرض بلا شعب لشعب بلا أرض ليس مسألة عبثية، فهذا يعني تماماً أن هذه الأرض يجب أن تخلى من شعبها وهذه طبيعة الكيانات الاستيطانية، ففي دراسة الكيانات الاستيطانية يجب علينا أن نميز بين البنية ونشأتها الأساسية والديباجة التي ترفع ويجب التعامل معها بشكل حواري بمفهوم خاص للحوار والحوار هنا هو حوار المقاوم مقاومة مسلحة أو انتفاضة أو مقاومة فكرية بالاجتهاد لهدف إعطاء القارئ العربي خريطة لهذه الظاهرة اليهودية الإسرائيلية الصهيونية، فثمة فهم تقليدي نمطي لطبيعة الحركة الصهيونية في وعينا نحن العرب نحتاج إلى إعادة قراءة لذلك ولاسيما أن ثمة تصوراً عند الجمهور العربي أن اليهود يسيطرون على مفاصل القرار في العالم وهو تصور مبالغ فيه كثيراً وهو الذي يفسر ما واجهوه من مشاكل في البلدان التي عاشوا فيها، فالمشكلة تكمن في سلوكهم ونظرتهم لغيرهم من الشعوب وليس العيب في اليهودية بوصفها ديانة تتقاسم الكثير من القيم مع الديانات السماوية الأخرى.