يعد الاتفاق السعودي الإيراني برعاية صينية نقطة تحول مهمة في تاريخ العلاقات الدولية، وستأخذ مكانة الصين بعداً جديداً في هذه العلاقات، فقد أصدرت محكمة الجنايات الدولية قراراً بائساً لا يحمل أي معنى قانوني بحق الرئيس فلاديمير بوتين في الوقت الذي يستعد فيه الرئيس الصيني شي جين بينغ لزيارة موسكو للتوسط في النزاع الحاصل على الأراضي الأوكرانية ما بين روسيا والغرب.
فالخلاف السعودي الإيراني الممتد لأكثر من أربعة عقود عاش ظروف مد وجزر، وشهد محاولات تقارب امتدت لفترات قصيرة، ليبقى الخصام الحالة الصعبة التي سادت العلاقة بين البلدين المتجاورين، وهما إذا يتجهان نحو إعادة فتح سفارتيهما في كل من الرياض وطهران، فإنهما يتخذان بذلك قراراً تاريخياً لا ينعكس تأثيره على البلدين وحدهما، وإنما يمتد تأثيره على مستوى العلاقات الإقليمية والدولية، وإلا ما شهدنا نتيجة الضغط الأميركي المتمثلة في قرار المحكمة الجنائية الدولية بحق ألرئيس بوتين الهادفة إلى إفشال مساعي الرئيس الصيني في إنهاء الحرب باعتبار توقفها يعني انتصار روسيا وفق الشروط التي ستفرضها بمواجهة تمدد حلف شمال الأطلسي والمخاطر الغربية والأميركية.
فقد جاء في البيان الذي نشرته كل من وكالة الأنباء السعودية “واس”، ووكالة أنباء “إرنا” الإيرانية، أنه على أثر محادثات، فقد تم توصل المملكة العربية السعودية والجمهورية الإسلامية الإيرانية إلى اتفاق يتضمن الموافقة على استئناف العلاقات الدبلوماسية بينهما، وإعادة فتح سفارتيهما وممثلتيهما خلال مدة أقصاها شهران، لينهي ذلك البيان المفاجئ سبع سنوات من القطيعة والاحتقان والتوتر بين البلدين الجارين.
ولأن البيان الأخير الصادر عقب القمة الصينية الخليجية كان مزعجاً لإيران، فقد تضمن وقتها فقرات تعتبر إيران مصدراً من مصادر زعزعة الأمن والاستقرار في المنطقة، فقد كان التوصل لاتفاق بين المملكة السعودية وإيران وتفعيل اتفاقية التعاون الأمني بينهما واحترام سيادة الدول وعدم التدخل في شؤونها الداخلية، هو أشبه بما يكون إعجازاً للدبلوماسية الصينية.
وزير الخارجية الإيراني قال: إن سياسة حسن الجوار أمر محوري، ونواصل العمل نحو مزيد من الخطوات الإقليمية.. إن عودة العلاقات الإيرانية السعودية توفر إمكانات كبيرة للمنطقة والعالم الإسلامي.
أما الأمير فيصل بن فرحان وزير الخارجية السعودي فقد قال: إن دول المنطقة يجمعها مصير واحد يجعل من الضرورة أن تتشارك لبناء نموذج للازدهار، وإن استئناف العلاقات الدبلوماسية بين بلاده وإيران يأتي انطلاقاً من رؤية المملكة القائمة على تفضيل الحلول السياسية والحوار.
كبير الدبلوماسيين الصينيين قال: إن محادثات وحوار السعودية وإيران في بكين نصر للسلام، أما الولايات المتحدة فقالت إنها كانت على علم بالاتصالات السعودية الإيرانية، وإن ما يهم واشنطن إنما هو إنهاء الحرب في اليمن ووقف الهجمات على السعودية.
أما رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلية السابق، نفتالي بينيت فلم يكتم مخاوفه: إن تجديد العلاقات بين السعودية وإيران، هو تطور خطير بالنسبة لإسرائيل وانتصار سياسي بالنسبة لإيران.. وهو ضربة قاضية لجهود بناء تحالف إقليمي ضد إيران.. أنه فشل ذريع لحكومة نتنياهو، نجم عن مزيج بين الإهمال السياسي والضعف العام والصراع الداخلي.
فالواضح من ردود الفعل الأولية هو الغضب والخوف في محور البغي والعدوان، بدءاً من الولايات المتحدة الأميركية وانتهاءً بكيان العدوان الصهيوني الذي أفشل الاتفاق سنوات طويلة من التخطيط لعزل إيران عن محيطها العربي والإقليمي من جانب، وتبوُّؤ الصين لمكانة دولية كبيرة وممارسة دبلوماسية قوية في نسج علاقات جيدة مع حليف تاريخي لواشنطن واستغلال حالة التوتر في علاقات البلدين نتيجة الضغوط التي تمارسها الولايات المتحدة الأميركية على المملكة العربية السعوديه وخصوصاً على الأمير محمد بن سلمان ولي العهد السعودي الذي وجد في تحسين العلاقات مع كل من موسكو وبكين المخرج في مواجهة تلك الضغوط، وليكون هذا الاتفاق المخرج القوي لدولة إقليمية كانت وما زالت تقود قاطرة السلام والأمن في سياق سياسة خارجية متوازنة تجعلها حاضرة في جميع المحافل الدولية.