ما تزال لحظاتها الأخيرة طازجة حية لا تريد مغادرة ثواني الحياة المثقلة بكلّ أعبائها، باغتها الموت في غفلة مني، رغم أنني كنت ملتصقة بها حد التوحد، لم تكن تدري أني وضعت بين ذراعيها أحلاماً لم أحققها بعد، وكلمات لم أهمس بها في حنايا روحها الدافئة.
اليوم والجميع مشغول باحتفالات يبارك فيها الأم وتضحياتها ويقدس عطاءاتها، أنشغل بدوري في تحضير هدية العيد على طريقتي، أرسم صورتها وأدون كلماتها وأبث الروح في تفاصيل تسكن وجداني وأقدم لها كما عادتي في عيدها تفاصيل كانت تعني لها الشيء الكثير، قبلة دافئة وهدية متواضعة، وقلب ما يبرح يلهج باسمها.
اسمها الذي صيغ بمداد من وهج الحياة، كنا عندما نريد أن ندخل إلى قلبها المرح نناديها باسمها، فيزهر الكون بضحكاتها التي تدخل الفرح والسكينة إلى قلوبنا الصغيرة، تتبعنا بنظراتها وهي تدعو لنا بالرضى والرزق وراحة البال، فنحوم حولها كفراشات يغريها عبق العطور الفواحة.
ولا أنسى يوماً كنا نحضر فيه لاحتفال بعيدها على طريقتنا السرية لننال شرف المفاجأة، وإذ بها تملأ البيت بأزهار الحياة، وقد وزعت الهدايا المعنونة باسم كلّ واحد منا ونحن في عددنا مع أولادنا تجاوزنا العدد” 20″ بعد دراسة وتمحيص بكلّ رغباتنا المدفونة في قلوبنا، فكانت تدرك أذواقنا وما نحب، كيف لا وهي الأم التي تجتهد في التقاط رغباتنا من دون أن ندرك، لتحتفظ بها لليوم الموعود، فكلّ هدية كانت تحكي قصة أمي وحكاية أمي، ولهفة أمي.
“أيا أمي، مضى عامان يا أمي، وطيفك يرسم بين الضلوع ذكرى ودمعة حرّى”.
والحكاية تصبح أيقونة، حكاية أمهات غادرن الحياة، أمهات سورية التي صمدن وكافحن وقدمن أولادهن قرابين في ساحات الوغى نبارك في هذا اليوم لأمهات الشهداء تضحياتهن العظيمة، من أجل الأم الأولى سورية.
وكلّ عام أمنا الكبرى سورية بخير، وأمهات بلادي بألف خير.