الملحق الثقافي – أحمد بوبس:
في مسيرة الحركة الثقافية العديد من الأدباء والكتاب المنسيين، رغم عطاءاتهم الأدبية والثقافية الكبيرة، ومنهم سعد صائب الذي أغنى المكتبة العربية بنحو ثمانين كتاباً، في مختلف فروع الثقافة، وبشكل خاص في الترجمة من الفرنسية إلى العربية، ساعده في ذلك متانة لغته العربية والفرنسية على حد سواء، وغزارة ثقافته العامة.
فقد نشأ سعد صائب في بيئة ثقافية غنية في مدينة دير الزور..فوالده علي صائب كان على درجة عالية من الثقافة، تقلد العديد من الوظائف المرموقة، ووضع عدة كتب منها (معجم الصائب) و(المنهل)، وأصدر جريدة أسماها (الجول) وتعني البادية، وصدرت ما بين عامي (1916- 1918).. وكان يمتلك مكتبة كبيرة.. في هذا الجو نشأ سعد صائب، فأحب القراءة، وأكب ينهل من الكتب، حتى أصبح الكتاب عشقه الأول.
ولد سعد صائب في دير الزور عام 1917. وتلقى تعليمه الابتدائي والإعدادي فيها، أما تعليمه الثانوي فكان في معهد اللاييك بدمشق.. وبعد نيله الشهادة الثانوية انتسب إلى كلية الآداب في جامعة القديس يوسف اليسوعية، ونال منها الإجازة في اللغة العربية، وفي الوقت نفسه تعلم فيها اللغة الفرنسية، وعاد إلى دمشق متسلحاً باللغتين اللتين ستصبحان عدّته في عطاءاته الثقافية.
بعد عودته من بيروت عمل لفترة في تدريس اللغة العربية، ثم انخرط في السلك الوظيفي في وزارة الزراعة، فتولى مهام عديدة آخرها مدير المتحف الزراعي بدمشق.. ولم يكن يمارس أي نشاط اجتماعي، كان اهتمامه متوزعاً في ثلاثة أمور، عمله الوظيفي والقراءة والكتابة، ولم يكن يتردد إلا إلى مكتب الأستاذ مدحة عكاش في مجلة الثقافة، وهناك تعرفت عليه، وزرته مرات عديدة في منزله في قبو بشارع الصالحية مقابل المشفى الإيطالي.. وهذا ساعده على قراءة الكثير من الكتب في موضوعات ثقافية وأدبية متنوعة، الأمر الذي أكسبه ثقافة موسوعية واسعة.
وفي ذلك قال عنه الأستاذ عبد الغني العطري (سعد صائب كاتب مخلص لأدبه، متفرغ له، وفيّ لرسالته، الأدب هوايته الكبرى، وعشقه الوحيد، وغذاؤه العقلي، بل هو طعامه وشرابه، ولهوه ومرحه، فهو لا يمارس ولا يعرف أي هواية سوى المطالعة والكتابة.. إنه في طليعة الأدباء العرب في غزارة إنتاج، وصفاء ذهن، وعمق تفكير.. وهو إلى ذلك، مولع بالآداب الأجنبية بشكل عام، إلى جانب اهتمامه بالآداب العربية، ويخص الشعر العالمي بكثير من عنايته، فيترجم منه ما يروق ويحلو له).
بدأ سعد صائب النشر في الصحف منذ مطلع شبابه، فنشر بواكير شعره في مجلة (الصباح) التي كان يرأس تحريرها عبد الغني العطري في أربعينيات القرن العشرين، ثم أخذ ينشر مقالاته ودراساته في مختلف المجلات السورية كالمعرفة والموقف الأدبي والثقافة والضاد، ومقالاته المترجمة عن الفرنسية في مجلة الآداب الأجنبية.. وفي عام 1958 أسس مع نخبة من الأدباء السوريين (جمعية الأدباء العرب)، وشغل أمانة السر فيها، واستمر فيها حتى انفراط عقدها عام 1963.. ثم كان أحد مؤسسي اتحاد الكتاب العرب عام 1969، وتم اختياره عضواً في المجلس الأعلى لرعاية الفنون والآداب والعلوم الاجتماعية منذ تأسيسه عام 1958.
في مجال تأليف الكتب وضع سعد صائب ستة وسبعين كتاباً، متوزعة على فرعين الترجمة والإبداع.. ففي مجال الترجمة عن الفرنسية ترجم اثنين وعشرين كتاباً، ولم يكن يتبع أسلوب الترجمة الحرفية، لأنها تقتل النص أحياناً، ولكنه كان يعتمد أسلوب التعريب، فبعد أن يترجم النص يقوم بإعادة صياغته بلغة عربية جزلة ورشيقة، مع المحافظة على أفكار النص وروحه.
وأهم كتبه المترجمة كانت عن الشعر العالمي، وكتبه في هذا المجال (شعراء رمزيون وشعراء معاصرون) عام 1956، (شعراء فنلنديون) عام 1957، (شعراء من أميركا الجنوبية) عام 1975، (شعراء وأدباء من الشرق والغرب) عام 1976، (ديوان الشعر الهولندي المعاصر) عام 1983، (شعراء فرنسيون معاصرون) عام 1984، (شعراء معاصرون من العالم) عام 1985، (في رياض الشعر العالمي) عام 1985، (ديوان الشعر السويدي المعاصر) عام 1985، (ديوان الشعر الأسباني المعاصر) عام 1985، (مختارات من روائع الشعر الفرنسي الحديث) عام 1994.. وفي هذه الكتب عرفنا على الشعر في معظم أنحاء العالم، وردم بذلك هوة كبيرة تفصلنا عن الآداب العالمية.
كما ترجم العديد من كتب أدب الأطفال، بعضها اقتباس، والبعض الآخر ترجمة حرفية.. وهذه الكتب هي (الأرنب عفراء) عام 1980، (مملكة الأزهار) عام 1980، (الموجة وطائر النورس) عام 1981، (الكرة السحرية) عام 1981، (البطيخة الحمراء) عام 1981، (الصياد الصغير) عام 1982، (الشارع الآخر) عام 1982، (مرجان وأصدقاؤه) عام 1982، (الموسيقيون واللصوص) عام 1982، (طاب يومك أيها الطبيب) عام 1982، (مغامرات رشا الصغيرة) عام1984، (البنت الوفيّة) عام 1985، (الفؤوس الثلاث) عام 1985، (حديث جدّتي) عام 1985، (الغسّالة والخبّاز) عام 1990، وآخرها (بيت البطة الزرقاء) عام 1994.
أما في مجال الكتب المؤلفة، فقد كان بارعاً في فن الخاطرة، إذ كتب الكثير من الخواطر التي نشرها في الصحف والمجلات، ثم جمعها وأصدرها في عدة كتب، هي (لم تمت الحقيقة) عام 1985، (صيحة في واد) عام 1987، (قطرات الندى) عام 1987.
وفي الأدب العربي وضع العديد من كتب النقد والدراسات، منها (خليل مطران في أروع ما نظم) عام 1990، (مختارات من روائع شعر المتنبي في الحرب والفروسية) عام1994، (في رحاب الأدب) عام 1994.
وتوزعت كتبه الأخرى في مواضيع متنوعة، منها بعض الكتب في الشؤون الزراعية، بتكليف من وزارة الزراعة التي كان موظفاً فيها.
في السنتين الأخيرتين من حياته تدهورت صحته، وفقد القدرة على الحركة، ليرحل في الثاني من شباط عام 2000، بعد حياة مليئة بالعطاء الأدبي والثقافي الثر والغزير.
العدد 1137 – 21/3/2023