الثورة- أديب مخزوم:
افتتح معرض الفنان أيمن فضة في صاله سلوى زيدان بمدينة أبو ظبي، برعاية السفير السوري بالإمارات غسان عباس، متضمناً ثلاثين لوحة جديدة، حملت عنوان (وجوه سورية) ولقد اتبع فيها أسلوباً تعبيرياً مبسطاً لملامح الوجوه وتعابير العيون، وبكثير من العفوية والجرأة ووصل في بعض اللوحات إلى إيقاعية لونية خافتة أو رمادية، شكلت عودة إلى حيوية الرسم وعفوية اللمسة وشاعرية الحركة والمناخ التعبيري الذي يتفاوت ما بين الوضوح والغياب.
وإذا كنا نستطيع أن نلمس أثراً لاندفاعاته العاطفية والانفعالية في اللوحة عبر اللمسات العفوية والتلقائية في صياغة الخطوط والألوان، فهذا لا يمنعنا من متابعة معالجات تقنية وخطية تنسج المساحة وتجعلها أكثر قدرة على التعبير العقلاني، من خلال طريقة تصوير الوجوه، وفي اختيار إيقاعات لونية متقاربة في اللوحة الواحدة.
هكذا عمقت تأثيرات بحوثه المتواصلة (وهو أحد أكثر فنانينا في الإنتاج والعرض) اختبارات النزعة التعبيرية المبسطة، وكشفت بالتالي عن حبه المتواصل للبحث الاختباري الذي يدخله أكثر فأكثر في أسرار الصياغات والتقنيات الفنية المعاصرة والحديثة، لكشف أبعادها ومضامينها والانطلاق في مجالات الخلق الفني المتحرر، وهو يظهر مقدرة على استخدام وتركيب طبقات ألوان الأكريليك، التي قدم من خلالها الوجوه برؤية فنية شديدة العفوية والتلقائية، بعدما أظهر في مراحله السابقة مقدرة على إبراز سحر وعفوية الألوان الزيتية.
وهو لا يزال يتعاطف مع هواجسه التلقائية التي تعمل على زيادة الإحساس بجمالية اللمسة اللونية العفوية وبالضربات الآتية من طريقة وضع المساحات اللونية، وهذه الطريقة تجعله في أحيانٍ كثيرة يرسم ببعدين أي إنه يعمل على تسطيح المساحة ولا يولي هنا اهتماماً بإبراز العمق أو البعد الثالث.
وهو يشد لوحته دائماً، نحو الداخل، أي نحو الذات لالتقاط الحالة الوجدانية وتحولاتها الداخلية، ولهذا يبقى التكوين التشكيلي، رغم تعدد حساسياته ودرجاته وتقنياته، مرتبطاً بمستويات جوهرية هي الأساس في صياغة أي عمل فني.
فالشكل أو مجموعة الوجوه تتحول إلى إيقاعات في مساحة اللوحة تتزايد تحديداتها أو تقل، حسب حالة الفنان وحسب درجة الانفعال لديه، فيتحول التعبير إلى صيغة حوارية بين الوضوح والغياب الجزئي الذي يكتفي بالإشارات القليلة أو المبسطة للأشكال والإشارات والرموز.
وفي لوحات معرضه الجديد أظهر تنويعات تعابير الوجوه المختلفة كحلقات متتابعة ومتماسكة لجهة القدرة على السيطرة على ملامح الوجه الواحد، الذي تتغير تعابيره حسب الحالة الداخلية، وحسب انعكاسات الواقع الخارجي الذي لابد من أن يترك أثره على حركة الخطوط والألوان وتوترات اللمسة وتفاوتها بين الهدوء والعنف، وبذلك يصبح الوجه حالة زئبقية لانفعالات وتبدلات الحالة الداخلية، وتبدو اللوحات مثيرة للأسئلة لأنها الارتجال الذي يجسده في حالات التلوين والتكوين.
ومعرض أيمن فضة الجديد جاء بشكل منطقي من خلال بحوثه المتواصلة لإيجاد مظاهر التعبيرية الجديدة، في حوارها المفتوح بحرية على حركة اللون العفوي والبحث عن الخلاصة الشعرية لجوهر الأشكال في إيقاعاتها التلقائية والموسيقية، من خلال طريقة تشكيل الوجه، واختيار إيقاعات لونية متقاربة في اللوحة الواحدة.
وأيمن يضعنا في كل معرض يقيمه أمام تحولات جديدة في التعامل مع أشكاله وعناصره ورموزه، وأيضاً في معالجة واختيار المادة اللونية المناسبة، وفي أسلوب صوغ انفعالاته، ومعارضه تكشف بالتالي عن حبه القوي للبحث الاختباري الذي يدخله أكثر فأكثر في أسرار الصياغات والتقنيات الفنية المعاصرة والحديثة.
وفي معرضه الجديد في أبو ظبي، عمل على تجسيد تداعيات الملامح المتغيرة والمتبدلة في الوجوه، كتعبير عن التحول الذي يطرأ عليها من فترة إلى أخرى، وذلك لإظهار نسيج الحياة والعمر وعلامات الزمن. فالوجه هنا هو مدخل لتأمل خطوط العمر أو إيقاع الحياة.. إنه الصياغة التشكيلية التي يستند إليها في رسم التبدلات التي تظهر على وجه الإنسان في مراحل عمرية مختلفة، وهي طريقة أيضاً لرسم الخط البياني الإيقاعي الصاخب لرحلة العمر العاكسة لمرايا الأزمنة.
