اختلطت أوراق قطاعنا الزراعي خلال السنوات الأخيرة بشكل غير مسبوق، وكان لظروف الحصار والمناخ أيضاً أثرها الواضح، وقد نظلم المعنيين ونجلد ذاتنا إن تجاهلنا هذه الحقيقة.
لكن لا نستطيع أن نبرئ أنفسنا من تهمة الارتباك في إدارة الموارد المنضوية تحت عنوان “زراعة” بكل تفرعاتها، من التخطيط مروراً بالتنفيذ ووصولاً إلى التسويق، إذ تبدو فعلاً لدينا مشكلة في كل هذه المراحل.
الشق النباتي مطرح جدل طويل لم يُحسم بعد، لكن الشق الحيواني بقي مسكوتا عنه على الرغم من أهميته المطلقة، ولعل السبب هو التسليم بأن المشكلة مشكلة أعلاف، والأعلاف مستوردة، وبما أنها مستوردة ..بات التسليم بأن الحصار وعدم توفر القطع الأجنبي سبب المشكلة من أساسها.
وهذا استسلام أكثر مما هو تسليم، لأن في بيئتنا بدائل محلية مجرّبة وهي في صلب تقاليد معيشة الريف السوري، فقط هي بحاجة إلى توجيه بوصلة العناية نحوها.
أريافنا الفقيرة اليوم كانت مكتفية في السابق، وسكان الريف كانوا “أغنياء” لأنهم في غنى عن طلب البيض واللحوم الحمراء والبيضاء ومشتقات الحليب من الأسواق، طبعاً إضافة إلى سلة منتجات زراعية، وهذا يعني أنه علينا التفكير كيف سنعيد إحياء تقاليد الزراعة التي كانت دارجة في السبعينيات والثمانينيات الماضية، وكانت سر شبع الريف والمدينة رغم الحصار الخانق الذي فرض على بلدنا لأكثر من عقد من الزمن..
هنا علينا الوقوف أمام مسألتين..الأولى هي السلالات..والثانية الأعلاف اللازمة للقطيع، إذ يبدو أننا أوقعنا أنفسنا في مشكلة كبيرة عندما عمدنا إلى توطين سلالات أبقار مستوردة، تعتمد بالكامل على خلطات علفية مستوردة، واستغنينا عن السلالات البلدية والشامية الشهيرة وأفسحنا المجال لانقراضها بشكل شبه كامل، رغم أنها تعتمد على زراعات علفية محلية بالمطلق، كذلك “طردنا” الماعز من المناطق الجبلية بطريقة شبه “انتقامية” من القطعان التي كانت عماد معيشة أهالي هذه المناطق، والحال ذاته بالنسبة للدجاج المنزلي، ويذكر كبار السن في الريف أن البيض البلدي كان بديل العملة النقدية في عمليات البيع والشراء “المقايضة” لوفرة إنتاج المادة.
لسنا خبراء إنتاج حيواني، بل لدى وزارة الزراعة خبراء- أو يفترض أن لديها – يعرفون كيف يمكن استعادة سلالات الأبقار المحلية، وإعادة توزيع الماعز الجبلي في مناطقه التقليدية، ودعم تربية الدجاج المنزلي.. المهم أن نقطع دابر ذريعة الأعلاف، وللعلم الزراعات العلفية لاتحتاج سمادا بل هي ذاتها سماد آزوتي، ولاتحتاج محروقات للري .. فقط تحتاج إلى قرار وإرادة للبدء بمشروع متكامل هدفه إعادة إحياء البدائل المحلية للأبقار والأعلاف المستوردة..ولدى وزارة الاقتصاد برنامج من هذا القبيل نعرفه جميعاً يمكن أن يتولى المهمة شريطة أن تبادر وزارة الزراعة..لايجوز أن تشكو أريافنا من الفقر، حيث بات الفقر عيباً بكل معنى الكلمة..
نهى علي