تتسارع التطورات الإيجابية في المنطقة على وقع الإحداث العالمية والتي تستدعي من جميع الدول العربية تعزيز التعاون والتنسيق على كل المستويات فيما بينها لتجنب أي تداعيات خطيرة جراء الصراع العالمي المحتدم بين من يسعون ليعم التعاون والسلام وتبادل المصالح بين دول العالم وبين من يعملون للحفاظ على هيمنتهم الدولية متجاهلين حقوق وتطلعات الشعوب الأخرى.
إن التعاون الثنائي وصولاً إلى العمل الجماعي بين الدول العربية يحقق العديد من الأهداف المشتركة وخاصة في موضوع التنمية والتعاون الاقتصادي والأمن الإقليمي وحل المشاكل البينية والذي يفضي في نهاية المطاف إلى تجاوز الخلافات داخل المجموعة العربية وبالتالي الحد من تأثير التدخلات الخارجية في الشؤون الداخلية لدول المنطقة وتلافي التوظيف السياسي لها من الدول التي تعمل على تغذية هذه الأزمات والحروب ودعم الإرهاب للحفاظ على ثغرات تسمح لها بالتدخل في شؤون الدول الأخرى لتحقيق مصالح على حساب الطرفين أو الدولتين المتخاصمتين.
يسهم التطور الإيجابي في العلاقات السعودية الإيرانية وبعده في العلاقات السورية السعودية وقبل ذلك بين سورية وعدد من دول الخليج العربي في تعزيز التعاون الإقليمي من جهة والعربي العربي من جهة أخرى وإيجاد الفرص والأسس المشتركة لتجاوز الخلافات المفتعلة أو سوء التفاهم على قاعدة (لا خلاف ولا وئام دائم بين الدول).
أظهر الجفاء أو القطيعة العربية مع سورية خلال العقد الماضي مدى الأضرار التي لحقت بالمصالح العربية وكذلك حجم التدخل الخارجي في شؤون دول المنطقة بالنظر للدور المهم الذي كانت تلعبه سورية مع عدد من الدول العربية وفي مقدمتها السعودية لمنع تحول بعض الخلافات إلى أزمات مستعصية والتي لم تكن لتحصل لو بقي هذا الدور نشطاً وفعالاً في الظروف الصعبة والحساسة التي مرت بها الدول العربية خلال عشر السنوات الماضية وخاصة مع توجه الدول الطامعة بالسيطرة على مقدرات المنطقة بتوظيف الإرهاب لتحقيق مصالحها دون الاكتراث بعواقب ذلك على شعوب المنطقة والعالم.
يخطئ من يعتقد أن الدول العربية بموقعها الجيو سياسي والاقتصادي لا تملك أدوات ضغط قوية تمكنها من الحفاظ على مصالح وسيادة أوطانها وعرقلة ومنع أي تدخلات خارجية في شؤونها، فهذه الأدوات موجودة وتزداد يوماً بعد آخر أهمية منطقة العربية على المستوى العالمي، ولكن لا يتم توظيف هذه الأدوات بالشكل المناسب وأحياناً تتم التضحية بها من هذه الدولة أو تلك دون الانتباه للعواقب الكلية على الجميع.
في العامين الماضيين استطاعت بعض الدول العربية أن تفرض وجهة نظرها وتتمسك بقراراتها السيادية، وتجلى ذلك في الموقف من الحرب المشتعلة في أوكرانيا بين روسيا الاتحادية وحلف شمال الأطلسي، واستطاعت بهذا الموقف تجنيب دولها تبعات هذه الحرب بحدود كبيرة والسؤال هنا: كيف ستكون انخرطت بعض الدول العربية الحليفة للولايات المتحدة في هذه الحرب بشكل مباشر؟!.
إن إسراع الدول العربية في تجاوز ما خلفه (الربيع العربي) من أزمات ومآس وخلافات بينية يفوت الفرصة على المتربصين بحقوقها ومصالحها ودورها وخاصة كيان الاحتلال الإسرائيلي الذي غذى هذه الخلافات عبر الدول الغربية وقدم الدعم السخي، ولا يزال للإرهاب الدولي وانفرد بالشعب الفلسطيني مضيفاً إلى سجله الدموي مزيداً من الجرائم الإرهابية والعنصرية.
يتوافر العديد من الفرص في هذا الوقت لتحقيق نقلة جيدة في التعاون العربي والحد من الأخطار والأطماع الخارجية والخطوة السعودية – السورية باتجاه استعادة العلاقات الكاملة تشكل أرضية مناسبة لهذا التعاون من دون النظر إلى الخلافات والأخطاء التي مرت بها علاقات البلدين خلال العقد الماضي إلا للاستفادة من هذه التجربة المريرة في تأمين الظروف بعدم تكرارها لأي سبب كان.
السابق
التالي