ذاكرة…نزار قباني: أنا لم ألبس قناعاً ولم أشتغل مهرجاً عند أحد

الملحق الثقافي- وفاء يونس:
لم يجن كما فعل قيس… ولم يمت كمدا كما حدث لعروة بن حزام.. ولأنه عاشق من طراز خاص استطاع نزار أن يكون جزءاً مهماً من تاريخ العشق العربي… قالوا عنه إنه دخل لخدع المرأة منذ ربع قرن ولم يخرج منه حتى الآن وخطر لكل قارئ أن يسأله حين يلقاه. نزار ماذا فعلت بك النساء..؟
لم تحدد بداية الحوار وكان الود الجميل الذي يظلل جلستنا يجعلنا نتشعب به نحو المناطق المسكونة بالتحدي ثم يعود بنا إلى الشعر ذلك الهم الجميلّ!
كان هذا الحوار مع نزار قباني عام 1976م، ونشر في الملحق الثقافي لجريدة الثورة حينها بتاريخ 12/5/1976..
قلت لنزار:
 صمودك في بيروت أثناء المحنة قلل من سهام منتقديك فهل هي أول تجربة لك في الصمود؟
  صمودي ليس في بيروت وحدها فأنا أقف في مواجهة التيار منذ بداياتي الشعرية وأنا أول من كسر جدار الرعب والخوف عن القصيدة العربية منذ عام 1944 فجراحي ليست جراحاً لبنانية أو متأخرة بقدر ماهي جراح شرعية لأن الكاتب الحقيقي يموت موتاً حقيقياً ومشكلتنا في العالم العربي ليس عندنا الأديب الشهيد الذي يحمل كفنه ويمضي بل عندنا الأديب المرتزق والمعين في الديوان العثماني.
 إذن أنت مع نيتشه في أن الكتابة الحقيقية هي التي يكتبها الإنسان بدمه؟
  ليس هناك كتابة بالكوكا كولا ولابالحبر الأبيض ولاكتابة إلا بالدم أو الحبر البرتقالي أو لنقل اللازوردي الغامق.
لقد انتقدوك كثيراً وقالوا عنك أشياء مختلفة لكن واحداً منهم لم يجرؤ على القول بأن نزاراً ليس شاعراً.. فمن أين تأتيك هذه الحصانة..؟
  الحصانة تأتيني من الصدق لأني لم ألبس اقنعه ولم أشتغل بهلواناً ولامهرجاً عند أحد ولايستطيع أحد أن يدعي أنه دفع لي أو امتلكني إلا الجمهور الذي اعتز بامتلاكه لي الصدق دائماً يوصل أما النفاق فسريع العطب وأنا شخصياً اعتبر هذه الانتقادات مجموعة أوسمة أعلقها على صدري لأني شاعر القصيدة المشكلة، وحين أكتب قصيدة تمر بسلام ترتفع درجة حرارتي وأعتقد أني قصرت في شيء ما تهاونت في الاصطدام مع قوانين الموتى ودساتيرهم الجاهزة.
 ألا تعتقد أن وضعك المادي الجيد وعدم حاجتك لاستجداء رغيف الخبز ساعدك على هذا الموقف الذي نسميه شجاعاً..؟
  لا أبداً صدقني هناك شعراء أثرياء لم يتمكنوا من التواصل مع أحد لأن القضية ليست رصيدك في البنك بل مدى قدرتك على التعبير عن هموم الناس المختلفة. وعندك حق فأنا لم أكن بحاجة لأتسول على الأبواب لكن يجب أن تعرف أني رميت كرسي السفارة حين وصلت إلى مرتبة سفير، وقررت في لحظة من لحظات الجنون أو الصفاء الروحي أن أعمل شاعراً، وهذا يعني أني جابهت كل المقولات التي تدعي بأنه ليس للشاعر خبز في بلاد كبلادنا لقد تركت السفارة ومعي ديوان وحيد هو ديوان الرسم بالكلمات وبه دخلت إلى بيروت، وأسست دار نشر، ولم يكن معي إلا أجرة المكتب حتى إن كثيراً من الأصدقاء لجؤوا إلي ومنهم الشاعر عمر أبو ريشة وقالوا هل جننت ماذا حدث لك لكني كنت قد قررت أن أسير في المغامرة إلى نهايتها.
 حتى في مجال عشقك تتهم بأنه عشق رجال الأعمال لنساء مترفات عابرات.
  عشقي تابع لطبقتي وأنا من الطبقة الوسطى وكل حبيباتي منها موظفات سكرتيرات وطالبات جامعة لكني لم أحب امبراطورات ولا ملكات لأني أريد من المرأة أن تدللني لا أن أدللها.
 أليست هذه النظرة شرقية أكثر من اللازم ؟
  لكنها نظرة فنان افرض أنك كنت تكتب قصيدة من القصائد، فهل تتركها لتجلب فنجاناً من القهوة أم تفضل أن تأتي به امرأة جميلة.
لنترك هذا ولنسأل عن قضية أكثر خصوصية هي قدرتك على التوفيق بين عشقك الدائم وكونك زوجاً وأباً وصاحب أسرة مستقرة؟
  الزواج ليس قفصاً حديدياً ولازنزانة انفرادية، ويمكن للإنسان أن يخرج منه خمس دقائق لاستنشاق الهواء والإعجاب بالجمال عملية داخلية يقوم بها الشاعر للدفاع عن نفسه ضد الركود الذي يغزوه وطبعاً فأنا لاأقصر على الرجل وحده. إنه حق إنساني للمرأة والرجل على السواء.
 الحب مدخل طبيعي للشعر وفي الشعر أنت متهم بأنك أقرب إلى التقليديين إن لم نقل تقليدياً- فما ردك على ذلك..؟
  أهميتي في الشعر تنبع من أني أتيت بلغة جديدة. صحيح أني لم أكسر الهيكل العظمي للقصيدة التقليدية لكني تجاوزتها وطورتها وفي قصائد تستطيع أن تجد التراث مع أشياء العصر هل تستطيع أن تقول عن هذا البيت إنه تقليدي:
ياشعرها على يدي
شلال ضوء أسود
تخيلت حتى جعلت العطور ترى
ويشتم اهتزاز الصدى
أو:
أنا عنك ما أخبرتهم لكنهم
لمحوك تغتسلين في أحداقي
 إذن أنت لست ضد القصيدة التقليدية؟
  لا أنا لست ضدها وما الشكل إلا معطف خارجي يغيره الإنسان حين يشاء، والمهم أن يكون متناسباً مع الجسد الذي يرتديه.
 للقصيدة ولادات مختلفة فكيف تولد عندك..؟
  هذا سؤال لايطرح لأن المدينة لاتعرف متى يأتيها الزلزال وليس للشعر توقيت معين إنه يهجم عليك في أوقات لاتتوقعها وأجمل قصائدي كانت تأتيني في الأوتوبيس أو الطريق أو في أي مكان آخر. إنك حين تعرف متى تأتيك القصيدة تصبح زوجها وأنا أفضل للشاعر أن يظل حبيب القصيدة لا زوجها.
 من هم الشعراء الذين أضافوا إضافات حقيقية إلى تاريخ الشعر… بعد جيل الرواد طبعاً.؟
  بعد الخمسينيات أضاف أدونيس لكن اللعبة اللغوية جرته إلى أمكنة لايريدها ومن الذين أضافوا ببراعة وإضاءة محمود درويش لأن قصيدته بعد خروجه من الأرض المحتلة نضجت وأصبحت ذات أبعاد.. ثلاثة وأنا حالياً لا أرى غيرهم لأن البقية يكررون أنفسهم على حين يجب على الشاعر أن يغير جلده يومياً ولون عيونه ولسانه إن استطاع.
 وبلند الحيدري وعلي الجندي ألم يقدما شيئاً؟.
  بلند أعطى في الخمسينيات وما يعطيه الآن لا يتجاوز ما أعطاه سابقاً. أما علي الجندي فقصائده الأولى كلاسيكية بحتة وهو الأن يتجاوز ذاته ويحاول الإضافة للقصيدة ضمن المنظور العام للشعر الحديث.
 موقع شعرنا من الحركة الأدبية العالمية اين هو الآن ولاسيما بعد أن اختارت إحدى دور النشر العالمية محمود درويش كواحد من أبرز خمسة شعراء عالميين.
  موقع شعرنا جيد جداً إذا قسته بالشعر الإنكليزي أو الفرنسي أو الإسباني لأنه شعر قضية يدور حول هموم الإنسان في منطقتنا وقد كان الإنسان الجزائري أو الفلسطيني والفيتنامي في وقت من الأوقات الشغل الشاغل للناس ومحمود درويش يستحق مكانته بكل جدارة لأنه عنده المحتوى الكافي ليكون عالمياً ثم إني لا أعطي لقضية العالمية أهمية كبرى لأن من يستطيع أن يعبر عن هموم بلده هو عالمي بالضرورة.
 لننتقل إلى مايسمى بانهيار المثقفين الكبار ما أسبابه وبماذا تعلل كثرته هذه الأيام..؟
  هذه الانهيارات سببها الخيبة لأن الشاعر الذي يرى حلمه ينكسر سيبحث عن بديل قد يكون غيبوبة صوفية أو انتحاراً أو قرفاً أو سكوتاً ولاشك أن الكاتب الحقيقي الذي يرى الأدباء يركبون حصان الحاكم ويتبادلون السروج سيصاب بصدمة كبيرة اضف إلى ذلك أن الحكام يرغبون في ترويض الكتاب وتحويلهم إلى شعراء بلاط يأخذون الدور نفسه الذي قام به أسلافهم.
 كتبت جيداً عن رئيس دولة عربية وثانية عن وزير دولة أخرى وها أنت اليوم في عرين ملوك البترول الذين قلت فيهم مالم يقله مالك في الخمر؟
  أنا لم أتقرب ولن أتقرب وكنت أستطيع ذلك لو أردت لكني مكتف برغيف العيش أكله أنا وزوجتي وأولادي والذي لديه دعوى أخرى فليتفضل وليحاسبني.
 غالي شكري قال عنك أيضاً في كتابه» ثقافتنا بين نعم ولا» إنك شاعر موجة.
  الوسط الثقافي في بيروت يستطيع أن يقول لك من هو صاحب الموجة أنا أم هو..!!!
 نزار ما أحب قصائدك إليك؟
  أحب القصائد التي فيها دراما أو لنقل القصائد المسرحية أكره القصائد التي تحاول أن ترسم وضعاً متجمداً كما في قالت لي السمراء وأنت لي. واعتبر قصائدي التي تقف عند موضوع بعينه كالمايوه والعقد قصائد هابطة. أما حين دخلت مع المرأة في معركة وجودية كما رسالة من سيدة حاقدة وصوت من الحريم وكتاب يوميات امرأة لامبالية أصبحت أقاتل في سبيل كسب قضية فالغزل لم يعد غزلاً بحد ذاته بقدر ماكانت هناك معركة أحاول ربحها لصالح المرأة.
        

العدد 1139 –  4-4-2023    

آخر الأخبار
إعادة فتح موانئ القطاع الجنوبي موقع "أنتي وور": الهروب إلى الأمام.. حالة "إسرائيل" اليوم السوداني يعلن النتائج الأولية للتعداد العام للسكان في العراق المتحدث باسم الجنائية الدولية: ضرورة تعاون الدول الأعضاء بشأن اعتقال نتنياهو وغالانت 16 قتيلاً جراء الفيضانات والانهيارات الأرضية في سومطرة الأندونيسية الدفاعات الجوية الروسية تسقط 23 مسيرة أوكرانية خسائر كبيرة لكييف في خاركوف الأرصاد الجوية الصينية تصدر إنذاراً لمواجهة العواصف الثلجية النيجر تطلب رسمياً من الاتحاد الأوروبي تغيير سفيره لديها جرائم الكيان الإسرائيلي والعدالة الدولية مصادرة ١٠٠٠ دراجة نارية.. والجمارك تنفي تسليم قطع ناقصة للمصالح عليها إعادة هيكلة وصيغ تمويلية جديدة.. لجنة لمتابعة الحلول لتمويل المشروعات متناهية الصِغَر والصغيرة العقاد لـ"الثورة": تحسن في عبور المنتجات السورية عبر معبر نصيب إلى دول الخليج وزير السياحة من اللاذقية: معالجة المشاريع المتعثرة والتوسع بالسياحة الشعبية وزارة الثقافة تطلق احتفالية " الثقافة رسالة حياة" "لأجل دمشق نتحاور".. المشاركون: الاستمرار بمصور "ايكو شار" يفقد دمشق حيويتها واستدامتها 10 أيام لتأهيل قوس باب شرقي في دمشق القديمة قبل الأعياد غياب البيانات يهدد مستقبل المشاريع الصغيرة في سورية للمرة الأولى.. الدين الحكومي الأمريكي يصل إلى مستوى قياسي جديد إعلام العدو: نتنياهو مسؤول عن إحباط اتفاقات تبادل الأسرى