من العالم..نيسان شهر التقويم السوري

الملحق الثقافي- علي حبيب:         

كثيرون ينتظرون الأول من نيسان حتى يطلقوا ما يسمونه الكذبة البيضاء التي جربناها ونحن صغاراً ، ولكن ماذا عنها وهل شهر نيسان فعلاً يحفل بهذا ولاسيما في يومه الأول الدكتور . إياد يونس، كان قد فند ذلك في مقال مهم نشره موقع الجمل منذ ثلاثة أعوام جاء فيه:
يعتقد الكثير من الناس أن أصل «كذبة نيسان/أبريل» يعود إلى القرون الوسطى وأن مصدرها هو أوروبا، فقد كان شهر نيسان من كلّ عام وقت الشفاعة للمجانين و»المهابيل»، حيث يطلق سراحهم في الأول من هذا الشهر، ويصلي العقلاء من أجلهم، وفي نفس الحقبة نشأ «عيد جميع المجانين» أسوة بالعيد الأشهر في تلك ألا هو «عيد القديسين».
لكن حقيقة ما أسموه «كذبة نيسان» هو عيد رأس السنة السورية، إذ يعد التقويم السوري أول تقويم لايزال مستخدماً حتى الآن، وهو يصادف في هذا العام 6759، وكانت السنة السورية القديمة تبدأ في الأول من نيسان ( نيسانو في اللغة الكنعانية الفينيقية والآرامية ولانزال نحتفظ بأسماء أشهرها إلى عصرنا الراهن في بلاد الشام، سورية ولبنان والأردن وفلسطين كما تستخدم في العراق.
وظل هذا التقويم قائماً عند الحضارات السورية المتعاقبة ومنها ممالك أوغاريت وإيبلا وماري وتدمر ودمشق ونقلت مع العرب فيما بعد إلى الأندلس ،وبقي السوريون يبدؤون سنتهم في الأول من نيسان حتى وقت قريب، ومازال يُحتفل به إلى اليوم في الساحل السوري ويعرف باسم «عيد الرابع».
يحيي الساحل السوري مناسبة «رأس السنة السورية التي تصادف وفقاً للتقويم السوري 1 نيسان من كلّ عام ،ويستمر الاحتفال به على مدى ثلاثة أيام هذه الاحتفالات عكست إرادة السوريين بتكريس الحضارة والهوية السورية وإعادة الاعتبار للقيمة الحضارية وعمقها ومفهومها لهذا اليوم الذي ضاعت هويته، فبات يعرف بـ (عيد الكذب)، فيما كان يحتفل به السوريون القدماء بوصفه يوم رأس السنة موعد هبوط «عشتار» إلى العالم السفلي لإنقاذ «تموز أي ( الخصب).
ولم يتخذ السوريون القدامى الأول من نيسان أول أيام سنتهم عن عبث بل لأنه البداية الحقيقية، وكانت الاحتفالات بقدوم الربيع تبدأ في يوم الاعتدال الربيعي وتستمر حتى 1 نيسان يوم رأس السنة السورية، ويرتبط الاحتفال به بنهاية موسم الأمطار وبدء الخصب ونمو الزرع والثمار، وكانت تتخلل الاحتفالات طقوس دينية وشعائر وتقدم خلالها قرابين ومواكب احتفالية كبيرة.
وارتبط التقويم السوري ب «عشتار» الربة الأم الأولى، ربة الحياة و نجمة الصباح والمساء في آن معاً، الربة التي تصفها النصوص القديمة بأن «في فمها يكمن سرُّ الحياة.
«عشتار» التي تلقب في الأسطورة بـ (أم الزلف). وهي نفس الأغنية التي يرددها الناس في أرياف سورية الطبيعية (عالعين يم الزلف زلفة يا موليا ) دون أن يدركوا معنى الأغنية فكلمة زلف تعني: ( الثوب الموشى، الزينة، الجمال)
أما كلمة (موليا ) فتعني: (الخصب، الوفرة، الخير، العطاء) وهذه المعاني كلها تتصل بعشتار الأم والأرض والطبيعة.
وكانت احتفالات رأس السنة السورية تبدأ في الحادي والعشرين من آذار.
الأيام الأربعة الأولى منها تخصص لتقديم المسرحيات ورواية الأساطير.
بعدها تبدأ الاحتفالات الدينية لتبلغ ذروتها في عيد رأس السنة السوري في الأول من نيسان، ثم تستمر حتى العاشر منه
ويعتبر»عيد رأس السنة السورية» تجسيداً لطقوس الألهة عشتار وتموز، أي عند نزول الآلهة عشتار إلى العالم السفلي لإنقاذ الإله تموز، والصعود به إلى الأرض والنورليعم الخير والعطاء وتنبت الأرض الزرع وينشر الربيع أزهاره وكل ما يتعلق بمفردات الحياة.
وسمي عيد رأس السنة أكيتو بالسومرية: أكيتي سنونم وريش شاتين بالأكادية، ويبدأ عيد رأس السنة الجديدة في اليوم الأول من شهر نيسان ويستمر لمدة إثنى عشر يوماً، والذي يشير إلى موعد بذر وحصاد الشعيروالقمح والحبوب المختلفة والخضراوات، والآثار التي تمّ اكتشافها في سورية والعراق تكشف أن أول عيد للأكيتو في التاريخ بدأ على شكل عيدٍ للحصاد الزراعي، الذي كان يُنجز مرتين في السنة الواحدة، الأول في شهر نيسان، والثاني في تشرين الأول.
وقد تطور العيد من احتفال زراعي نصف سنوي إلى عيد وطني سنوي للسنة الجديدة، حيث كان هذا العيد يُقام في تلك الفترة من السنة التي يكون الليل والنهار في حالة توازنٍ تام مع بعضهما البعض، ويتم إعلان قدوم الاعتدال الربيعي بأول ظهور للقمر الجديد في الربيع وذلك في نهاية آذار أو بداية شهر نيسان، وذلك وِفقاً لدورة القمر السنوية.
ومن الجدير بالذكر أن تاريخ يوم السومريون كان يعتمد على عدة عناصر طبيعية وأهمها القمر، فقد كان معلوماً بأن شهر (نيسانو أي نيسان) يبدأ بحسب التقويم بليلة الاعتدال الربيعي، واختلف العلماء حول أصل التسمية «الآكيتو»، غير أنّ أصل الكلمة هو «يوم الخصب» لأنه في الأساس هو عيد زراعي مرتبط بموسمي البذار والحصاد، فالكلمة.
وتأتي أهمية الاحتفال بعيد رأس السنة السورية نظراً لما تمثله من إرث حضاري موغل في القدم يدل على عراقة الحضارة اسورية وقيمها ومفاهيمها الروحية والفلسفية والفكرية، فقد حاولت العديد من المدارس وخاصة التوراتية واليونانية طمس هذا العيد وروجوا لما يسمى رأس السنة العبرية.
وسرق هذا العيد مرات عديدة، وذلك عند:
1- فرض التقويم السلوقي اليولياني
2- و مرة عند فرض التقويم القمري الهجري العربي
3- ومرة عند اعتماد التقويم الغريغوري، وفي هذا الأخير تمّ أيضاً سحب ميزة أخرى رئيسية من الكنيسة الشرقية السورية لصالح الغربية، وذلك لتدمير وتزوير قدم وعراقة الحضارة السورية.
وإمعاناً في الإساءة لهذا العيد السوري وتسهيلاً لطمسه ومحوه، فقد أطلق عليه في الغرب منذ أن تمّ اعتماد التقويم الغريغوري في القرن السادس عشر، April fool أي بمعنى أحمق نيسان (كانت تطلق على كل من ينسى أن رأس السنة قد تغير إلى 1 كانون ثاني) ، ثم عدنا فاستوردناه عيداً للكذب، وروجنا له دون أن نعرف مضامينة الدينية والروحية.
كيتو (بالسومرية: أكيتي سنونم) هو عيد رأس السنة لدى الآكاديين، البابليين، الآشوريين والكلدانيين، يبدأ في اليوم الأول من شهر نيسان ويستمر لمدة اثنى عشر يوماً، ويعود الاحتفال بهذا العيد إلى السلالة البابلية الأولى، أي إلى مطلع الألف الثاني قبل الميلاد، ويعتبر أقدم عيد مسجل في تاريخ الشرق الأدنى.
لغوياً «أكيتو» تشير إلى موعد بذر وحصاد الشعير، والآثار التي تم اكتشافها في سورية والعراق تكشف أن أول عيد للأكيتو في التاريخ بدأ على شكل عيدٍ للحصاد الزراعي، الذي كان يُنجز مرتين في السنة الواحدة، الأول في شهر نيسان، والثاني في تشرين الأول.
وتطور العيد من احتفال زراعي نصف سنوي إلى عيد سنوي للسنة الجديدة، حيث يحدث هذا العيد في تلك الفترة من السنة التي يكون الليل والنهار في حالة توازنٍ تام مع بعضهما البعض، ويتم اعلان قدوم الاعتدال الربيعي بأول ظهور للقمر الجديد في الربيع وذلك في نهاية آذار أو بداية شهر نيسان، وذلك وِفقاً لدورة القمر السنوية.
مما يلقي الضوء على الاعتقادات السائدة في ذلك الوقت والتي تعتبر مشتركة بين الأكاديين والبابيلين والآشوريين والسريانيين، حيث ساد الاعتقاد بأن حركة القمر السنوية ما هي إلا «حركة دائرية مغلقة «، تضمن الطبيعة من خلالها الخلود ومقومات استمرار الحياة، إذ كانت المواضيع الأسطورية والدينية.
و كان الاكيتو عند السومريين، يقام لإله القمر «نانا»، و كان الاعتقاد السائد أن هذه المناسبة تحمل صفة القداسة، ما يجعلها أفضل فرصة لإقامة شعائر الزواج المقدس.
أما عند البابليين، فقد كان مرتبطاً بمناسبة دينية هامة، وهي انتصار الإله مردوخ ، الذي كان يُعتقد بأنه من خلق الحياة والطبيعة، على الآلهة «تيامات»، وكانت الاحتفالات تستمر لمدة اثنتي عشر يوماً.
و تخصص الأيام الأربعة الأولى منها لممارسة الطقوس الدينية وتقديم الصلوات والذبائح وقراءة قصة الخلق البابلية «اينوما إيليش « التي تحكي كيف جرت عملية اتحاد الآلهة ليكون مردوخ رئيسهم، بعد أن قام بثورة على الآلهة «تيامات»، أما الأيام المتبقية فكانت تتضمن بعض المظاهر الاجتماعية والسياسية بالإضافة إلى الطقوس الدينية.
       

العدد 1139 –  4-4-2023    

آخر الأخبار
إعادة فتح موانئ القطاع الجنوبي موقع "أنتي وور": الهروب إلى الأمام.. حالة "إسرائيل" اليوم السوداني يعلن النتائج الأولية للتعداد العام للسكان في العراق المتحدث باسم الجنائية الدولية: ضرورة تعاون الدول الأعضاء بشأن اعتقال نتنياهو وغالانت 16 قتيلاً جراء الفيضانات والانهيارات الأرضية في سومطرة الأندونيسية الدفاعات الجوية الروسية تسقط 23 مسيرة أوكرانية خسائر كبيرة لكييف في خاركوف الأرصاد الجوية الصينية تصدر إنذاراً لمواجهة العواصف الثلجية النيجر تطلب رسمياً من الاتحاد الأوروبي تغيير سفيره لديها جرائم الكيان الإسرائيلي والعدالة الدولية مصادرة ١٠٠٠ دراجة نارية.. والجمارك تنفي تسليم قطع ناقصة للمصالح عليها إعادة هيكلة وصيغ تمويلية جديدة.. لجنة لمتابعة الحلول لتمويل المشروعات متناهية الصِغَر والصغيرة العقاد لـ"الثورة": تحسن في عبور المنتجات السورية عبر معبر نصيب إلى دول الخليج وزير السياحة من اللاذقية: معالجة المشاريع المتعثرة والتوسع بالسياحة الشعبية وزارة الثقافة تطلق احتفالية " الثقافة رسالة حياة" "لأجل دمشق نتحاور".. المشاركون: الاستمرار بمصور "ايكو شار" يفقد دمشق حيويتها واستدامتها 10 أيام لتأهيل قوس باب شرقي في دمشق القديمة قبل الأعياد غياب البيانات يهدد مستقبل المشاريع الصغيرة في سورية للمرة الأولى.. الدين الحكومي الأمريكي يصل إلى مستوى قياسي جديد إعلام العدو: نتنياهو مسؤول عن إحباط اتفاقات تبادل الأسرى