شاعر وقصيدة.. جورج صيدج ودمشق

الملحق الثقافي-سلام الفاضل:         

جورج بن ميخائيل بن موسى صيدح (1311-1399هـ/ 1893-1978م)، وسُمّيت أسرته بصيدح لاشتهار بعض جدوده برخامة صوته، وهو شاعر رحالة أديب سوري.
ولد في دمشق قرب مكتب عنبر، ثم دخل إحدى المدارس الابتدائية، وكان مبرّزاً باللغة العربية، فأرسله ذووه إلى كلية عينطورة بلبنان ليتعلّم الفرنسية، فتخرج فيها سنة 1911، وترك الدراسة ليلتحق بإخوته في مصر ويعمل في التجارة، فأقام فيها ثلاثة عشر عاماً، وأصيب بنكبة مالية بعد نجاح كبير، فاتجه إلى أوروبا سنة 1927، وتزوج من فتاة فرنسية، ثم سافر في نهاية عام 1927 إلى كراكاس عاصمة فنزويلا، فأقام فيها عشرين عاماً يعمل بالتجارة، ولما بلغ الخمسين انصرف إلى المطالعة والسياحة، فانتقل في عام 1947 إلى الأرجنتين، وأسّس فيها «الرابطة الأدبية» (1949ـ1951) التي ضمّت مجموعة من الأدباء المهاجرة في الأرجنتين، وقد نشر صيدح في الصحف العربية دعوة شعرية لعقد أول جلسة في منزله، ومنها هذه الأبيات:

مساء يوم الأربعاء المقبلِ موعدنا يا سيّدي في منزلي
غايتُنا الترويحُ عن أنفسنا بنفحةٍ من نفحاتِ الأمـــل
بجرعةٍ من أدبٍ مقــطّرٍ وحقنةٍ من سمرٍ معلَّـــلِ
تجمعنا رابطة روحيـــة من يعدل الدنيا بها لم يعـدلِ

وانفرط عقد الجمعية التي كانت تجتمع مساء كلّ أربعاء في منزله بعد عودة صيدح إلى الوطن، واستقرّ في بيروت مابين عامي 1952و1959، ثمّ عاد إلى باريس وتوفي فيها.

أنشأ صيدح في كراكاس مجلة «الأرزة»، كما أنشأ فيها صحيفة «الرابطة الأدبية». وأصدر خمس مجموعات شعرية ودراسة في الشعر المهجري، وهي: «النوافل» طبعها في بوينس أيرس عاصمة الأرجنتين سنة 1947، و«النبضات»، صدرت بباريس سنة1950، و«حكاية مغترب في ديوان شعر»، طبع في بيروت 1960، و«شظايا حزيران»، بيروت، 1969، و«شظايا أيلول»، باريس 1971، و«أدبنا وأدباؤنا في المهاجر الأميركية»، طبع ثلاث طبعات في القاهرة وبيروت (1956 و1957 و1965).

وجورج صيدح شاعر الحنين والقومية، وهو في هذا لا يخرج عن منظومة شعراء المهجر الجنوبي الذين عاشوا بأجسادهم في المهاجر، ولكنّ أرواحهم لم تغادر مساقط رؤوسهم، فظلّوا يحنّون إلى تفاصيل صغيرة، لأنّهم احتفظوا بهذه التفاصيل وصورها في مخيّلاتهم، وقد غادروا أوطانهم وهم في مقتبل العمر، ومنهم الشاعر القروي وإلياس فرحات وإلياس قنصل وزكي قنصل وسواهم، ثمّ إن هؤلاء الشعراء، وفي مقدمتهم جورج صيدح قد واكبوا الأحداث القومية صغيرها وكبيرها، وعاشوا نضالات واسعة في مهاجرهم دفاعاً عن هذه القضايا وخاصة قضية فلسطين، وقد وقف صيدح جانباً كبيراً من شعره على هذه القضية، وله في هذا المقام قصيدة يصف فيها جهاد فلسطين في مجموعة «النوافل»، ومنها هذه الأبيات:

أرضٌ تحجُّ لها الدنيا مبايعــة بيعتْ بفلسِ مرابٍ غيرِ محتشــمِ
واهاً فلسطينُ كم غازٍ قهرتِ وكم جيشٍ رَدَدْتِ عنِ الأسوارِ منهزمِ
حتى لُطِمْتِ بكفّ لاسوارَ لـها شعب بلا وطنٍ، جند بلا علــمِ
حثالةُ القومِ من شتَّى الديار أتــتْ ببرقعِ الدين تخفي وصمةَ النَّهــمِ
فأين سيفُ صلاح الدين يَرْدَعُـهُمْ أمالَهُ خَلَفٌ في العربِ كلِّهــــِمِ
وشارك جورج صيدح شعبه العربي في الدعوة إلى الوحدة والتضامن، ووقف ضد الاستعمار الفرنسي الذي ضرب دمشق بوحشية في قصيدته «دمشق الجريحة»، ثم غنّى لها أغنية النصر المؤزر حين تمّ الجلاء، وأوصى المحتفلين بالوحدة العربية الشاملة وبالنهوض لاسترجاع فلسطين، وهذا ما جاء في قصيدته «جلوة الحرية» في مجموعته «حكاية مغترب»، ومنها هذه الأبيات:

هيّئي يا دمشقُ أقواسَ نصــــر من عناقِ الأعلامِ والمشرفيّهْ
وانظمي موكبَ الجلاءِ وسيري أمّةً بالجهادِ تُبعثُ حيـــّه
في طريقٍ تعبَّدتْ بالمواضـــي كلُّ باعٍ بها ضريحُ ضحيّــهْ
كم شهيدٍ تحتَ الجنادلِ مُصْـــغٍ إنْ وقفتمْ عليه ردّ التحيّـــهْ
يا حداةً لهودجِ النصرضجــّوا بدعاءٍ للوحدةِ العربيـــــهْ
وحذاراً يا حامليه فأنــــتم تحملونَ الكرامةَ القوميـــــه
إنْ أراقتْ يومَ الزفافِ دموعــاً ففلسطينُ بالدموعِ حَرِيـــــَّهْ

أما حنينه إلى دمشق موطن أجداده وملعب صباه فهو مبثوث في كثير من قصائده، فهو يتعبّدها كما يتعبد الوثني الصنم:

يا دياراً عبدْتُهـــا مثلما يُعْبَدُ الصَّنَـــمْ
لكِ قربتُ مهجتـي وشبابي الذي انصرمْ
ومتاعي وصحّتي وشعوري وما نظــمْ

وهو مقيم على حبّه لوطنه مسقط رأسه، ويتمنّى ألاّ يقضي نحبه بعيداً عنه، فيقول:
يا مسقطَ الرأسِ، والأرحامُ تجمعُنا حاشا تغيِّرُني في حُبِّكَ الْغِيَـــرُ
أنسى يميني ولا أنساكَ يا وطنـا فيكَ ابتدا ـ ليتَهُ فيك انتهى ـ العُمُرُ

أما كتابه «أدبنا وأدباؤنا في المهاجر الأميركية» فهو يعدّ من الدراسات الأكاديمية الجادة في الأدب المهجري، وهو في الأصل محاضرات ألقاها المؤلف على طلبة الدراسات العليا في معهد الدراسات العربية العالية في القاهرة سنة 1956 بدعوة من مديره ساطع الحصري، وهو كتاب وحيد في بابه تحدّث فيه صاحبه عن الهجرة وأدب المهاجرين وخصائص هذا الأدب ومناحيه ومآخذ النقاد عليه، كما تحدث فيه عن أدباء المهجر في الولايات المتحدة والبرازيل والأرجنتين والبلاد الأخرى.

يعدّ جورج صيدح من الشعراء والأدباء الذين قدّموا خدمات عظيمة لقضايا العرب أينما حلّ، وشعره صورة عن حياته وهمومه، وهو مثال للإنسان المهاجر الذي ظلّ لصيقاً بتراب وطنه وهو بعيد عنه، ثمّ إنه من الشعراء الذين تركوا بصماتهم على الشعر العربي الحديث.

بردى

حلمت أني قريب منك يا بردى
أبلّ قلبي كما بل الهشيمَ ندى
ونصب عيني من البلدان أبدعها
سبحان من أبدع السكان والبلدا
دمشق أعرفها بالقبّة ارتفعت
بالمرجة انبسطت بالشاطئ ابتردا
بالطيب يعبق في الوادي وأطيبه
في تربة الأرض غذّاها دم الشهدا
أمشي على الضفة الخضراء مؤتنساً
بالحور والسَّروِ والصفصاف منفردا
وأهبط المنحنى مستنطقاً فمه
صدى الليالي الخوالي لو يعيد صدى
تغوص في لجك الثرثار ذاكرتي
على الأغاني التي أسمَعَتني ولدا
من الهدير على البطحاء مبتدراً
إلى الخرير على الحصباءِ متّئدا
فأنثني وربيع العمر عاودني
كأنني لم أُضعه بالنّزوح سدى
يا مورد الغوطة الفيحاء ما بخلت
بالأطيبين وما ضاقت بمن وَرَدا
أهواك في ثوبك الفضيّ زركشه
بدر الدجى بشعاع حوله مسدا
أهواك في قلبك الشفاف لاح به
ظل المآذن والأشجار مطّردا
أهواك كالليث وثّاباً ومقتحماً
كالأفعوان تلوى كالغزال عدا
أهواك في يقظتي، أهواك في حلمي
أهواك مقترباً، أهواك مبتعدا
قسمت كفك حباً بالقطين إلى
أصابع سبعة فاضت عليه جدا
ملأت منك يدي بعد امتلاء فمي
ولو قدرتُ ملأتُ الصدر والكبدا
حتى أقول لدهر سامني ظمأ
في غربتي لن تراني ظامئاً أبدا

       

العدد 1139 –  4-4-2023    

آخر الأخبار
إعادة فتح موانئ القطاع الجنوبي موقع "أنتي وور": الهروب إلى الأمام.. حالة "إسرائيل" اليوم السوداني يعلن النتائج الأولية للتعداد العام للسكان في العراق المتحدث باسم الجنائية الدولية: ضرورة تعاون الدول الأعضاء بشأن اعتقال نتنياهو وغالانت 16 قتيلاً جراء الفيضانات والانهيارات الأرضية في سومطرة الأندونيسية الدفاعات الجوية الروسية تسقط 23 مسيرة أوكرانية خسائر كبيرة لكييف في خاركوف الأرصاد الجوية الصينية تصدر إنذاراً لمواجهة العواصف الثلجية النيجر تطلب رسمياً من الاتحاد الأوروبي تغيير سفيره لديها جرائم الكيان الإسرائيلي والعدالة الدولية مصادرة ١٠٠٠ دراجة نارية.. والجمارك تنفي تسليم قطع ناقصة للمصالح عليها إعادة هيكلة وصيغ تمويلية جديدة.. لجنة لمتابعة الحلول لتمويل المشروعات متناهية الصِغَر والصغيرة العقاد لـ"الثورة": تحسن في عبور المنتجات السورية عبر معبر نصيب إلى دول الخليج وزير السياحة من اللاذقية: معالجة المشاريع المتعثرة والتوسع بالسياحة الشعبية وزارة الثقافة تطلق احتفالية " الثقافة رسالة حياة" "لأجل دمشق نتحاور".. المشاركون: الاستمرار بمصور "ايكو شار" يفقد دمشق حيويتها واستدامتها 10 أيام لتأهيل قوس باب شرقي في دمشق القديمة قبل الأعياد غياب البيانات يهدد مستقبل المشاريع الصغيرة في سورية للمرة الأولى.. الدين الحكومي الأمريكي يصل إلى مستوى قياسي جديد إعلام العدو: نتنياهو مسؤول عن إحباط اتفاقات تبادل الأسرى