الثورة – محمود ديبو:
قال مدير إدارة الاستجابة في وزارة الطوارئ وإدارة الكوارث وسام زيدان: إن حرائق الغابات التي حصلت هذا العام في جبال الساحل تعتبر كارثة بيئية، وهي من أعقد الكوارث البيئية التي واجهتها سوريا خلال السنوات الأخيرة، ورغم ذلك هي لم تكن حالة طارئة فقط بل كانت اختباراً فعلياً لقدراتنا الوطنية على التحرك في مواجهة الخطر البيئي واتخاذ القرار في ظل متغيرات طبيعية وميدانية متسارعة.
وأضاف: واجهت وزارة الطوارئ هذا التحدي بشراكة فعالة مع الوزارات المعنية وهيئات المجتمع المدني، والمؤسسات المهنية والتطوعية لتقديم استجابة متعددة المستويات.
ولفت زيدان خلال الندوة التي أقامتها وزارة الطوارئ بالتعاون مع نقابة المهندسين ووزارات وجهات معنية بأن ما جعل من الحرائق كارثة معقدة بأنها بالأساس منطقة غابات ولكنها مهجورة من سنوات فأغلب القرى القريبة من الغابات هي قرى مهجرة وخالية من السكان وهذا ضاعف من الكثافة الشجرية وأغلق خطوط النار التي كانت موجودة، وهذا ما دفع فرق الاستجابة إلى استخدام الدراجات النارية الجبلية لاستطلاع المنطقة من ثم تبدأ الآليات الثقيلة بشق خطوط النار.
واعتبر زيدان أن حرائق الغابات هي دائماً فيها تعقيد وصعوبات على المستوى العالمي، لكن في الواقع السوري كانت أكثر تعقيداً فقد كان نطاق الحدث واسعاً جداً حيث يمكن أن تنتشر النيران على نطاق واسع خلال ساعات لمئات أو آلاف الهكتارات، وتعتبر الدقائق الأولى في الحريق حاسمة وسرعة الاستجابة فيها هي الفارق بين السيطرة والكارثة، وصعوبة الوصول كانت مضاعفة جداً نتيجة صعوبة التضاريس وخاصة في جبل التركمان حيث الوديان السحيقة والجبال حتى مشاركة الطيران المروحي كانت صعبة جداً.
ومن التأثيرات متعددة الأبعاد، بحسب زيدان، منها بيئية واقتصادية وغيرها إلى جانب سرعة التغير الميداني، إذ يتغير اتجاه الرياح في لحظة وبموقع معين، وهذا الحدث كفيل بمحاصرة فريق إطفاء موجود في بقعة معينة، أيضاً الكثافة الشجرية الموجودة متداخلة وعدم العناية بالغابات.
وعن خصوصية حرائق جبل التركمان أوضح زيدان بأن هناك تحديات تتمثل بوجود الذخائر غير المنفجرة وحقول الألغام وهذه ضاعفت من مخاطر العمل، إضافة إلى تشابك الغطاء النباتي وغياب خطوط النار، واحتمال حدوث حرائق متعمدة، وكذلك التضاريس الوعرة المعقدة وسرعة الرياح والجفاف ومحدودية الغطاء الجوي في عمليات الإطفاء، ومحدودية الموارد التقنية حيث يوجد نقص كبير بالمعدات فكل آليات الإطفاء في سوريا ليست دفع رباعي سوى 4 سيارات فقط، رغم أن هذا شيء طبيعي يجب أن يكون موجوداً وخاصة بالنسبة لحرائق الغابات، وتعدد الجهات وهدر الموارد وتدال الغابات مع القرى والتجمعات السكنية.
ورغم هذه التحديات يوضح زيدان بأن وزارة الطوارئ وإدارة الكوارث قامت باتباع خطة استجابة متعددة المحاور منها تشكيل غرف عمليات مشتركة: منها غرف مركزية بين الوزارات والجهات المشتركة، وغرف ميدانية متنقلة في مواقع العمليات، وتم توزيع القطاعات والمهام بحيث تم تقسيم منطقة الحريق إلى قطاعات، كما تم تشغيل ونشر فرق مخصصة لكل قطاع (إطفاء، استطلاع، دعم لوجستي، مراقبة جوية)، وتم العمل مع وحدات إزالة الذخائر غير المتفجرة لتأمين ممرات آمنة.
وعن المراحل واستراتيجية الاستجابة التي أديرت من قبل الوزارة أشار زيدان إلى أنه تم استخدام طائرات درون لرصد المناطق الخطرة والمشبوهة، وتفعيل الإنذار المبكر المجتمعي من خلال إطلاق تنبيهات مبكرة عبر البلديات والمخاتير ومكبرات الصوت لإجلاء المدنيين عند الحاجة، واستخدام تقنيات بديلة كالاعتماد على خراطيم ممتدة لمسافات طويلة في الأماكن الوعرة، وتفعييل خطوط عزل عبر فتح طرق لتطويق النيران ومنع انتشارها.
ومن أهم الدروس المستفادة من التعامل مع هذه الكارثة التي ألمت بجبال الساحل قال زيدان: إنه اتضح ضرورة وأهمية التخطيط المسبق لحرائق الغابات ككوارث كبرى، فهذه الحرائق لم تكن مجرد أحداث محلية بل كارثة بيئية ستدعي إدارة طوارئ كاملة، وكذلك تبين ضرورة وجود خرائط محدثة لمخلفات الحرب، فلا يمكن مواجهة النيران بفعالية دون معرفة مواقع الخطر غير الظاهر.
ويضيف: كذلك من الدروس المستفادة بحسب زيدان أنه تبين الحاجة لتطوير آليات إطفاء مخصصة للجبال من عربات خفيفة وطائرات إطفاء صغيرة وسيارات الدفع الرباعي، منوهاً إلى ضرورة تعزيز دور المجتمع المحلي وتطوير عملية دمج بيانات الأرصاد والمناخ في التنبؤ بالخطر.
وعن الخطوات والخطط المستقبلية التي تعمل عليها وزارة الطوارئ وإدارة الكوارث بهذا الخصوص أشار زيدان إلى أنه من الضروري إطلاق مشروع وطني لتجهيز نقاط إطفاء ثابتة في الغابات عالية الخطورة، وإنشاء قاعدة بيانات جغرافية للمناطق الملوثة بالألغام داخل الغابات وعقد تدريبيات دورية على سيناريوهات حرائق مشابهة، وتطوير شراكات مع منظمات
دولية لتوفير تقنيات إطفاء حديثة مثل الطائرات بدون طيار، وإدماج المجتمع المحلي ضمن فرق رصد حرائق مبكر تطوعية مدربة، وتحديث خطط الطوارئ لكل محافظة بشكل يتناسب مع طبيعتها الجغرافية، وتطوير كادر متخصص بإدارة حرائق الغابات ضمن وزارة الطوارئ، وإعداد خرائط مسارات نارية وخطط طرق تدخل طارئة في الغابات، ونشر منظومات الرصد المناخي للإنذار المبكر.
وختم زيدان حديثه بالقول: إن تجربة جبل التركمان كانت موجعة، ولكنها ثمينة من حيث العبر، لقد أكدت أن الاستجابة الفعالة تتطلب تنسيقاً مبكراً، وموارد كافية، وبيئة آمنة للعمل ووعياً مجتمعياً عالياً.