الثورة – وداد محفوض:
تنتشر ظاهرة تشغيل الأطفال أو ما يعرف بـ”عمالة الأطفال” بشكل كبير، ولم تكن طرطوس بمنأى عنها، نتيجة الظروف المعيشة القاسية التي خلّفتها الحرب في بلدنا، ليُحرموا من أبسط حقوقهم، وتسلب طفولتهم.
وراءه قصة
مشهد الأطفال وهم يحملون أوزاناً ثقيلة، ويبيعون ما تيسر لهم من بضائع، بات مألوفاً في أسواق طرطوس، وعلى أرصفة الشوارع والكورنيش البحري للمدينة، فيقف الطفل حاملاً بضاعته، يحدّث كل شخص يمر بجانبه، محاولاً إقناعه بشراء بضاعته.
ووراء كل طفل التقته مراسلة “الثورة” قصة نزعت عنه لباس الطفولة، وأبدلتها برداء العمل والمسؤولية.
الطفلة سعدة، ذات التسع سنوات، تبيع البسكويت على الكورنيش البحري، أشارت إلى أنها بعد فقدان والدها اضطرت للعمل وعدم الذهاب إلى المدرسة، لتساعد والدتها في تأمين المال اللازم لتربية إخوتها الصغار، إضافة إلى عمل أمها في تنظيف المنازل، حيث لا معيل لهم غير الله.
الطفل محمد ذو الخمسة عشر عاماً، يعمل لدى محل جملة للمواد الغذائية في السوق، يحمل وينقل البضائع، بين أن والده يعمل في فرن، وأجره لا يكفي متطلبات البيت، فيضطر لمساعدته، ليعيشوا ولو بالحد الأدنى من الحياة المستورة.
وذكر الطفل حمزة ذو العشر سنوات، أنه يتيم الأبوين، ويعيش مع جدته المسنة في الريف القريب من طرطوس، تحدث بأسى أنه لم يعش طفولته، فهو يقصد المدينة من الصباح الباكر، ليعمل في محل لإصلاح السيارات، ويعود في آخر النهار بالقليل من المال ليسد رمقه و جدته.
لهم حقوقهم
بدورها، نوهت الاختصاصية في تربية الطفل- جامعة طرطوس، الدكتورة أمة الله غانم، بأن للأطفال حقوقاً في الحياة، ويجب أن يعيشوها ويتمتعوا بها، ويمارسوا حقوقهم كاملة في العيش ببيئة سليمة، صحية وآمنة، يذهبون لمدارسهم ويحلمون بمستقبل يليق بهم وبطموحاتهم.
طفولة منقوصة
وأكدت أن الطفولة في بلدنا منقوصة، في ظل الأوضاع الصعبة التي مررنا بها خلال سنوات الحرب، فكانت عبارة عن صراع يومي من أجل البقاء، فالأطفال يحرمون من طفولتهم ويجبرون على النضوج قبل الأوان. مضيفة :إن عمالة الأطفال في سوريا ظاهرة مدفوعة بالحرب والفقر المدقع، والظروف القاسية التي سلبتهم أبسط حقوقهم، ومن حق الأطفال التعليم واللعب والحماية والرعاية الصحية، وعدم السماح بسرقة أحلامهم وضحكاتهم البريئة.
ازدادت إلى 25 بالمئة
د. غانم لفتت إلى ضرورة معالجة الأطفال العاملين من الصدمات النفسية الناتجة عن فقدانهم الشعور بالأمان والثقة بالآخر، مشيرةً إلى أن منظمة اليونيسيف كانت قد أجرت إحصائية عن عمالة الأطفال ما قبل الحرب، إذ بلغت 10 بالمئة فقط، بينما الآن ازدادت إلى 25 بالمئة، لأن أكثر من ثلث الأسر لجأ أطفالها للعمل، بسبب تراجع الدخل الأسري وارتفاع نفقات المعيشة الكبيرة والتهجير وغير ذلك.
يصبحون فريسة
ونوهت د. غانم بأن العوز والحاجة أجبرا الأطفال العاملين على ترك مدارسهم، وبالتالي سيهدَّد جيل كامل، ويضيع حقه في التعليم والاستقرار. وإن الأطفال بلا تعليم أو دعم نفسي، يصبحون فريسة للتطرف وانتشار الجريمة وغير مؤهلين لبناء سوريا المستقبل.
قيام الأطفال بأعمال خطرة كحمل الأشياء الثقيلة، أو العمل لساعات طويلة، يصيبهم الإرهاق والتعب، مع انعدام التغذية الضرورية لهم، إضافة لتعرضهم للعنف والاستغلال الجنسي والتجنيد الإجباري. تؤكد د.غانم حسب منظمة اليونسيف، أن 84% من الأطفال العاملين في سوريا يعانون اضطرابات نفسية كالاكتئاب والقلق والسلوك العدواني.
مازالت قاصرة
وتشير إلى أن الطفولة ليست مرحلة عابرة، بل هي صانعة المستقبل، والأساس الذي تبنى عليه الإنسانية والأوطان، وأنه ورغم الجهود المحلية والدولية وبرامج الجمعيات السورية، التي تعمل على محاولة إعادة الأطفال إلى المدارس، أو توفير الدعم النفسي لهم، ورغم وجود قوانين تمنع عمالة الأطفال، إلا أن هذه الجهود والبرامج والقوانين ما زالت قاصرة أمام الواقع المأساوي لهؤلاء الأطفال.
التكاتف واجب
وتؤكد د. غانم وجوب التكاتف جميعاً، جنباً إلى جنب مع الحكومة، لمعالجة أسباب استفحال هذه الظاهرة، وأولها “الفقر”. كما يجب تكثيف الجهود المجتمعية الحقيقية المؤمنة بالطفل، لتمكينه وإعادته إلى مكانه الصحيح، وحمايته من أي شكل من أشكال الاستغلال، مبينة أنه من الضروري توفير التعليم البديل المساند، وتقديم المساعدات المالية للأسر الفقيرة، وتسهيل القروض الصغيرة التي تساعد في إيجاد مصادر مستقرة وثابتة للرزق، لتشعرهم بالاكتفاء الذاتي وعدم الحاجة والسؤال.
وشددت د. غانم على أهمية إنزال عقوبات رادعة بحق المستغلين للأطفال، كما يجب تطبيق فعلي لمنع عمالة الأطفال، ومحاسبة الأهل الذين لا يرسلون أطفالهم إلى المدارس، لأن إنقاذ أطفالنا ليس عملاً خيرياً، وإنما استثمار لغدٍ أفضل، لإعادة البسمة والأمل لهم، فحماية الأطفال مسؤولية الجميع في الوطن.