الواقع المعيشي اليوم هو التحدي الأكبر الذي يواجه الدولة فمسؤولية تأمين السلع والمواد الأساسية بأسعار تنافسية أمر ليس بالهين في ظل التحديات المختلفة المحيطة والواضح اليوم أن الجهات المعنية تعول على المؤسسة السورية للتجارة كأداة للتدخل الإيجابي وهي اليوم أصبحت معنية بعدة ملفات وربما يراها البعض أكبر من إمكاناتها المادية واللوجستية على الرغم أنها نتاج دمج مجموعة من المؤسسات كانت كلها معنية بالتدخل الإيجابي إلا أن المشكلة أن هذا الدمج تم بشكل عاجل وغير مدروس بدليل أن المؤسسة السورية للتجارة ورثت مشاكل تلك المؤسسات وديونها كتركة ثقيلة لا تحسد عليها وعلى سبيل المثال لا الحصر فهناك ميزانيات ضخمة لم تنجز حتى اليوم لتبقى معلقة في رقبة السورية للتجارة حتى اليوم…
ماتقدم يقودنا إلى تساؤل هام حول وجود جهات أخرى تمتلك القدرة والإمكانية لتؤدي دور الرديف للسورية للتجارة في التدخل الإيجابي وتغطي جوانب ليس في إمكان السورية للتجارة تغطيتها، وهنا يجب أن نتوقف أمام تجربة الجمعيات التعاونية أو الاستهلاكية.
الجمعيات التعاونية تجربة موجودة في أغلب دول العالم حتى تلك التي تمتلك بحبوحة اقتصادية كدول الخليج ونحن نمتلك تجربة عريقة في مجال الجمعيات التعاونية وراسخة حتى أن سورية كانت من أولى الدول في المنطقة التي امتلكت بنية تحتية ضخمة في هذا المجال وحتى اليوم ثمة عدد لا بأس فيه من الجمعيات التعاونية التي تمتلك عقارات منتشرة في مختلف المحافظات وكوادر وحتى ملاءة مالية تمكنها من ممارسة دور نحن في أمس الحاجة إليه حالياً إلا أنها لا تحظى بالدعم المطلوب من الجهات المعنية التي لا تعول عليها وترى في السورية للتجارة الأداة الوحيدة والموثوق فيها لتكون معبراً وطريقاً معتمداً للتدخل علماً أن جميع الجمعيات التعاونية تتبع لإشراف ومتابعة وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك سواء بالوزارة، وحتى بمديرياتها بالمحافظات ليتساءل الكثير عن أسباب عدم تفعيل هذا القطاع وزجه في المجال الذي وجد من أجله.
ثمة مبررات منطقية لموقف الجهات المعنية أهمها أن بعض هذه الجمعيات تورطت في الفساد الذي مورس من قبل بعض مجالس إداراتها، والتي لم تكن على قدر المسؤولية، وهي مجالس منتخبة تعاملت بمزاجية وبحثت عن استقلالية قراراتها وفق مصالح شخصية الأمر الذي دفع بالجهات المعنية في الصدام معها واللجوء لحل تلك المجالس لترى أن موظفيها أفضل من حيث عدم الخروج من السرب والالتزام بالتوجيهات والسياسات، وهي معذورة في ذلك، ولكن هل هذا يعني التخلي عن هذا القطاع ؟.
أعتقد أن حالات الفساد التي نحن بصددها يجب أن لا تجعلنا نتخلى عن التجربة أو نتجاهلها بل يجب أن نعالج الخلل وتصويب المسار للمنحى الصحيح والمطلوب أي التعامل بطريقة مختلفة عما تم التعامل معه مع القطاع التعاوني السكني الذي تعرض للحل وضرب عرض الحائط عن إيجابياته ومنجزاته طوال عشرات السنين، وشخصياً أرى أن القطاع التعاوني السكني كان قادراً على إنجاز مشاريع سكنية ضخمة تؤمن تنفيذ جزء من الخطة الوطنية للإسكان وتأمين السكن للمكتتبين بسعر التكلفة مع تأمين التموين المطلوب بعيداً عن موازنة الدولة والقروض والمساعدات الدولية..
القطاع التعاوني الاستهلاكي يجب أن يدعم ليزج في معركة تأمين السلع والمواد الأساسية كرديف فعال للمؤسسة السورية للتجارة وكما ذكرت البنية التحتية موجودة وحاضرة، وبالتالي هذه التجربة يجب أن تدعم وتوجه وفق خطة عمل جديدة خلاقة وجريئة تكون فيها المحاسبة ركناً أساسياً مع تعزيز الشعور بالمسؤولية تجاه السوريين والدولة في آن معاً..