أثبتت كل التجارب وتوجهات العمل الاقتصادي في العالم أن أولوية النجاح للمشاريع الاقتصادية المرتبطة بالغذاء والاستثمار الزراعي في معظم الدول إلى جانب بقية المشاريع، لكن يبقى الاستثمار الزراعي وإنتاج الغذاء محلياً رقم واحد في تحقيق الاكتفاء الذاتي من جهة والقدرة على مواجهة الأزمات الاقتصادية الخانقة من جهة أخرى.
فأغلب المشكلات والعقد أمام الخروج من أي أزمة اقتصادية تكون بالقدرة على توفير الغذاء بأسعار مناسبة، والسبب بدهي ومعروف في أنه لايمكن الاستغناء عن الغذاء كما الدواء والحاجة له كل يوم فيما يمكن الاستغناء عن بقية السلع واستخدامها بأقل نسبة، وهذا ما شهدناه في السنوات الأخيرة حيث بات التوجه كلياً نحو المادة الغذائية التي وقعت في إشكاليات متعددة تسببت في غياب الكثير من السلع وتغير في مواصفات بغض السلع والغش بها وصل إلى مستويات قياسية.
وأصحاب النفوس الضعيفة لم يكتفوا برفع أسعار المواد بل ذهبوا أبعد من ذلك عبر إضافة مواد سامة وخطيرة إلى بعض أنواع السلع وأكثرها في مشتقات الحليب من ألبان وأجبان، ولم يكن ضبط معمل أجبان وألبان في محافظة حماة يستخدم الماء الأوكسجيني ـ وهو مادة كيميائية خطرة تسبب تلفاً بالخلايا بتراكيز عالية والتهاب الأوعية الدموية، وقرحات معدية، ويعد أحد أخطر مسببات السرطان، وما هو إلا مثال صارخ للغش بأبشع مظاهره، فكنا نسمع عن إضافة النشاء والماء وأما اليوم فقد تطورت أيضاً أشكال وأنواع الغش نحو أسوأ ما يمكن أن يخطر في البال، متجاهلين ما يمكن أن يسبب ذلك من تأثير خطير على صحة الناس يحولهم لضحايا طمع وانعدام ضمير بعض المتاجرين.
والتساؤل ماالحل لهذا التفاقم في عمليات الغش لمواد تستخدم بشكل يومي؟ وكيف يمكن تفادي هذه المشكلة ليس عن طريق الرقابة وحسب، وإنما يجب البحث في حلول تحيط بعملية الإنتاج وتوفير موادها الأولية بأسعار مناسبة وبكلف إنتاج مدروسة وقريبة من القدرات والعمل على مراقبة الورش الصغيرة للتصنيع و مايحدث في أقبيتها بعيداً عن أنظار الرقابة، وليس الاكتفاء بمعرفة مصدر المادة وإنما يجب مراقبة هذا المصدر وطريقة إنتاجه، والأهم من ذلك التساؤل عن سبب غياب القطاع العام عن عملية الإنتاج والمنافسة، وعند زيارة صالات المؤسسة السورية للتجارة أول تساؤل نتوجه به أين منتجات القطاع العام؟.