“بيني وبين قارئي”

لي صديق صغير بعمر الورود، يقرأ مؤلفاتي، وهو يتدرج معها بين عام وآخر منذ كتب الأطفال إلى رواية الشباب، وصولاً إلى رواية الكبار.. ويوم أهديته إحدى رواياتي، وكتبت له بضع سطور إهداءٍ، لم يخفِ عني ما حملته له كلماتي من فرحٍ غامرٍ، فكتب لي بالمقابل كلماتٍ تنبع من قلب البراءة، والطفولة، التي مازال بعمرها.

هذه هي ليست المرة الأولى التي تردني فيها رسالة من قارئٍ صغير، وسبق أن تلقيت كثيراً من رسائل تفرحني من الصغار الذين كانوا يتابعون قصصي في المجلات المخصصة لهم، لكن رسالة قارئي هذا كان لها وقع مختلف في نفسي، ذلك لأنه أخبرني فيها بسره.

فمنذ أن وقع الزلزال المدمر الذي وصلت ارتداداته إلى منطقة الساحل السوري بات الناس في خوفٍ دائمٍ من أن يتكرر ما حدث، وتحسباً لأي طارئ، أو مفاجأة قد تقع في أي لحظة فقد جمع صديقي الصغير أشياءه الثمينة، والوثائق الرسمية التي تخصه في حقيبة تكون في متناول يده إذا ما وقعت كارثة جديدة لا سمح الله، تصرف سليم، وعاقل في مثل هذه الأحوال، وليس مستغرباً أن يأخذ المرء احتياطه للظروف الطارئة، إلا أن ما فاجأني به أنه ضم كتابي الذي يحمل الإهداء إلى أشيائه الثمينة تلك.

كتاب في حقيبة ليس بالأمر الجديد فكثير منا يحمل كتاباً معه إذا ما سافر في طائرة، أو قطار يقرأ فيه ليهزم ملل ساعات السفر.. إلا أن صديقي حمله في حقيبة النجاة، وكأن اللاوعي عنده مقتنع بأن في المعرفة، والاطلاع نجاة من كل أزمة، أو مأزق، وما الكتاب سوى الطريق إلى الأبواب المفتوحة على الحياة.

أما ثنائية العلاقة التي تربط بين قارئ وكاتب فهي لا تأتي من فراغ.. إذ ماذا يعني أن يرتبط قارئ بكاتب ما؟ هل لأنه يتأثر بأفكاره، وعباراته، وبرؤيته الفنية، والفكرية، بينما الكاتب يزهو بقارئه فيزداد تألقاً في منجزه الإبداعي كلما أعرب قراؤه عن انتمائهم له، واقتناعهم به؟ بل إن هذا ما يحصل فعلاً عندما يخلص الكاتب لقارئه فلا يستخف به، ولا يقدم له منجزاً إبداعياً أقل من توقعاته، لتبنى بالتالي علاقة سليمة بين الطرفين.

إن من أهم مهام الكاتب أن يحرض فكر القارئ، ويحفزه، ويدفعه للبحث عن آفاق جديدة، فالعلاقة بين الاثنين ليست مجرد علاقة عابرة، وإنما هي صلة متبادلة في أهميتها، ومتناغمة في مسارها، ومن خلالها يتم إيصال المعلومة، والفكرة، وتنهض بفضلها المشاعر في تواصل شفاف ليصبح الطرفان صديقين، أحدهما يمد بالمعرفة، ويفتح باباً نحو العالم، والآخر يحفز الإبداع، والإلهام، فإذا كان دور الكاتب أن يقوم بتوليد الأفكار، وتنظيمها، فإن دور القارئ هو في تفسير هذه الأفكار ليتعرف من خلالها على رؤية الكاتب، وبالتالي تقييمها، والكاتب ذاته يمكن له أن يلعب أيضاً دور القارئ عندما يقرأ عمله بعين مختلفه ينقد نفسه من خلالها متمثلاً وجه القارئ الذي يتوجه إليه.

هي مسؤولية يحملها الكاتب على عاتقه، كما هي علاقة تفاعلية تمثل جوهر العملية الإبداعية التي تقوم على تطوير الأفكار، وتبادلها، فيها ارتباط عاطفي يتجلى بولاء القارئ لكاتبه في تتبع كل ما يكتبه مقابل إخلاص هذا الأخير لقارئه، ومصداقيته معه. كما أنه حبل موصول بين هذا وذاك أخذاً وعطاءً، تأثراً وتأثيراً، فلا كاتب م دون قارئ، ولا قارئ دون كاتب، إنما هي شراكة من طرفين في بناء المعرفة، والفكر، والثقافة، فالتأثير على القارئ يجعله يتبنى أفكار الكاتب، وربما حولها إلى سلوكيات، وتصرفات عملية تكون لها انعكاساتها المجتمعية.

وتظل بيني وبين قارئي حواراتٍ لا تنتهي في قصص، وروايات، وربما مقالات يسافر من خلالها كل منا نحو الآخر.. وقصة الكتاب الممهور بإهداء شخصي في حقيبة النجاة الصغيرة ستظل هي الأخرى ترف في خاطري كفراشة ملونة بأجنحة سماوية.

* * *

آخر الأخبار
سوريا تشارك في الاجتماع العربي السابع للحد من الكوارث بخطة وطنية دمشق تُعيد رسم خارطة النفوذ..  قراءة في زيارة الشرع إلى روسيا الاتحادية وزير الطوارىء: نحن أبناء المخيّمات..نسعى لإعمار وطنٍ يُبنى بالعدل أوضاع المعتقلين وذوي الضحايا .. محور جولة هيئة العدالة الانتقالية بحلب بعد تحقيق لصحيفة الثورة.. محافظ حلب يحظر المفرقعات تخفيض الأرغفة في الربطة إلى 10 مع بقائها على وزنها وسعرها محافظة حلب تبحث تسهيل إجراءات مجموعات الحج والعمرة  جلسةٌ موسّعةٌ بين الرئيسين الشرع وبوتين لبحث تعزيز التعاون سوريا وروسيا.. شراكةٌ استراتيجيةٌ على أسس السيادة بتقنيات حديثة.. مستشفى الجامعة بحلب يطلق عمليات كيّ القلب الكهربائي بحضور وفد تركي.. جولة على واقع الاستثمار في "الشيخ نجار" بحلب أطباء الطوارئ والعناية المشددة في قلب المأزق الطارئ الصناعات البلاستيكية في حلب تحت ضغط منافسة المستوردة التجربة التركية تبتسم في "دمشق" 110.. رقم الأمل الجديد في منظومة الطوارئ الباحث مضر الأسعد:  نهج الدبلوماسية السورية التوازن في العلاقات 44.2 مليون متابع على مواقع التواصل .. حملة " السويداء منا وفينا" بين الإيجابي والسلبي ملامح العلاقة الجديدة بين سوريا وروسيا لقاء نوعي يجمع وزير الطوارئ وعدد من ذوي الإعاقة لتعزيز التواصل عنف المعلمين.. أثره النفسي على الطلاب وتجارب الأمهات