الثورة – رنا بدري سلوم
خلال محاضرة ألقاها اليوم في المركز الثقافي بأبو رمانة، تناول الدكتور أحمد طقش أهمية “إعادة إعمار الإنسان” باعتبارها أولوية تتجاوز أي مشروع اقتصادي أو عمراني.
وأوضح طقش أن الإنسان هو الركيزة الأساسية في بناء الأوطان، مشددا على أن الاستثمار في البشر يجب أن يسبق الاستثمار في البنى التحتية والمشاريع المادية.
إعمار ما بعد الصدمات
تطرق د. طقش إلى أهمية الترميم الجسدي والنفسي والعاطفي بعد الصدمات التي تتعرض لها المجتمعات، خاصة في ظل الأزمات والصراعات، وضرورة استعادة المعنى والإيمان بالحياة.
وشدد على أهمية تحرير الفكر من الجهل والخوف، والعمل على إعادة الإعمار الروحي كخطوة ضرورية نحو مجتمع صحي ومتوازن.
الأنبياء أول البنائين
أوضح د .طقش أن الأنبياء هم الرواد الأوائل في إعمار الإنسان، حيث اشتغلت رسالاتهم على:
إحياء الفطرة بالتوحيد، وتنمية العقيدة والأخلاق والسلوك، وبناء الإنسان ليكون خليفة صالحاً في الأرض.
واستعرض نماذج من الأنبياء الذين مثّلوا قيماً مركزية في بناء الإنسان: موسى (عليه السلام): رمز الحلم، يوسف (عليه السلام): رمز العفة، شعيب (عليه السلام): رمز الإصلاح الاقتصادي.
الإنسان جوهر الأكوان
أكد د. طقش أن الإنسان هو جوهر هذا الكون، وأن جوهره الحقيقي ينبع من إنسانيته، المتمثلة في الرحمة، التعاطف، الحب، التعبير عن المشاعر، والالتزام بالقيم والمبادئ.
واقتبس في هذا السياق من أقوال الإمام علي (ع):
“أتحسب أنك جرم صغير، وفيك انطوى العالم الأكبر؟”.
كما أشار إلى المقولة الصوفية: “لولاك ما خلقت الأفلاك”، في دلالة على قيمة الإنسان في ميزان الوجود.
من المكونات لا “الأقليات”
رفض طقش وصف الجماعات الدينية أو الثقافية المختلفة “بالأقليات”، قائلاً: “هناك مكونات.. لا أقليات”. واستشهد بإعلان “مراكش لحقوق الأقليات الدينية في العالم الإسلامي” (2016)، الذي أكد على الإنسانية الجامعة لكل البشر، حرية الاعتقاد، المواطنة كأساس جامع داخل الدولة الوطنية.
كما أشار إلى استناد الإعلان إلى صحيفة المدينة، التي لم تُفرّق بين أقلية وأكثرية، بل تحدثت عن تعدد المكونات داخل الأمة الواحدة، إعمار الإنسان أولاً، ثم الاستثمار، وطرح طقش تساؤلاً جوهرياً: “ما جدوى بناء المدارس والمباني والجامعات إن لم نبنِ الإنسان الذي يملؤها؟”.
وأضاف: “الاستثمار ضروري، لكن الأهم هو الإنسان القادر على إنجاح هذا الاستثمار، بناء الجدران دون بناء الإنسان مضيعة للأوطان، بينما بناء الإنسان أولاً هو الضمان الحقيقي للعمران”.
تعليم، تدريب، تأهيل
وحدد الدكتور طقش ثلاث خطوات رئيسية لبناء الإنسان، التعليم، التدريب، التأهيل، مع التأكيد على أن كل هذه المراحل يجب أن تُغلف بالأخلاق، لأن من دونها “قد نُخرّج شهادات، لا مهارات”، على حد تعبيره.
الفارق بين التدريس والتدريب
وأوضح الفرق بين التدريس والتدريب قائلاً:
“التدريس مشي، أما التدريب فهو ركض، بل طيران”، التدريس يمنح شهادة، والتدريب يمنح مهارة، ومن هذا المبدأ استثمر المدرب الدولي أحمد طقش تفاعل الجمهور الذي طرح الأسئلة منذ بدء المحاضرة التفاعلية، بحضور كل من رئيس المركز الثقافي بأبو رمانة عمّار البقلة وثلّة من الأدباء والإعلاميين والمهتمين بالشأن الثقافي والفني.