في الثامن من نيسان – أبريل عام 1973 رحل بابلو بيكاسو، أشهر وأعظم وأهم فناني القرن العشرين ، وأكثرهم ثورية وانقلابية وإشكالية، والذي استطاع بموهبته الفذة وعبقريته النادرة، إخراج الفن من مداره السابق، ووضعه في مدار جديد، لا يزال العالم كله يدور فيه، حيث شكل انقلابه الفني الأبيض الذي تزعمه عام 1907 عبر لوحته (فتيات أفنيون) بداية لأكبر ثورة فنية عرفها العصر الحديث، وجاءت كردة فعل حادة وعنيفة ضد التقاليد الفنية، التي استمرت عدة آلاف من السنين.
ومن ضمن الاحتفالات بمرور خمسين عاماً على رحيله، يقيم متحف بيكاسو في أنتيب، معرضاً بعنوان ( بيكاسو 1969 ـ 1972ـ نهاية البداية ) والدي تم تنظيمه بدعم استثنائي من متحف بيكاسو الوطني في باريس، ويركز على سنوات الفنان الأخيرة، الغنية بالإنتاج الفني الحامل بصمته الخاصة والمتفردة.
هكذا ترأس بيكاسو، خلال المئة سنة الماضية حركة الفن الحديث، إثر الانقلاب الأبيض الذي تزعمه عام 1907 وأسفر عن إعلان بدايات الاتجاه التكعيبي، والإطاحة بقادة الانطباعية والنيو انطباعية في مدرسة باريس.
وبيكاسو لم يكن بحاجة لأموال لشراء ما يريد، حيث كان يكفي أن يرسم بقلمه أي شيء، حتى يباع هذا الرسم بعشرات أو مئات الألوف من الدولارات، أما لوحاته فقد حطمت الأرقام القياسية، حين بيعت لوحته (نساء الجزائر) منذ سنوات ب 185 مليون دولار.
وباختصار منذ عصر الإغريق حتى مجيء بيكاسو كان العالم مشغولاً بمسألة ذهنية لا تتغير، وهي قائمة على مسلمات تقليدية ومثالية، لقد حقق ذلك بالتخلي عن الموروثات الجمالية التي سادت الفن عدة آلاف من السنين.
ومن الواضح أن فنان العصر بيكاسو كان يبحث عن مفاهيم جمالية جديدة ومغايرة، ومن النوع الذي اعتدنا على تسميته الفن الحديث.
والكتابة عن بيكاسو تثير تساؤلات وإشكاليات لا تنتهي، لأنه كان ينتقل من أسلوب إلى آخر، ومن تقنية إلى أخرى، وبخلاف معظم الفنانين الذين يعتبرون الأسلوبية هي الخطوة الأولى، التي تؤكد عنصر الشطارة والمهارة، وهذه النظرة الضيقة حول ماهية الفن، تزيد من حدة المراوحة في اجترار وترداد المفردات التشكيلية الجاهزة، بطرق انفعالية وافتعالية في أكثر الأحيان في تجارب نسبة كبيرة من الفنانين المعاصرين .
التالي