الثورة – عبد الحليم سعود:
مع استمرار الوجود الأميركي الاحتلالي غير الشرعي في الجزيرة السورية، مرّت الذكرى السنوية العشرون لاحتلال بغداد عام ٢٠٠٣ بكل ما تختزنه من مرارة في ذاكرة كل من عاصروا تلك اللحظة العصيبة من تاريخ العراق والمنطقة، إذ كانت مرحلة سوداء من التدخلات الأميركية المباشرة في شؤون المنطقة أدت إلى ما أدت إليه من كوارث وويلات وأزمات وتداعيات مستمرة بأشكال وعناوين مختلفة.
في تلك اللحظة التي هزت ما تبقى من الضمير العالمي انبرى العديد من المتابعين والمرتزقة السياسيين والإعلاميين للترويج لما يسمى بداية القرن الأميركي، وكأن أميركا (المحافظين الجدد) قد باتت قدر العالم الذي لا فكاك منه، ولكن ما حدث بعد ذلك كان ورطة أميركية بكل المقاييس، حيث دفع الأميركيون وشركاؤهم بالتحالف تكاليف باهظة لقرار غزو العراق.
لقد ثبت بالدليل القاطع أن الأميركيين لم يتعلموا كثيراً من دروس سابقة تم تلقينهم إياها في مناطق عديدة، وكذلك الدروس المريرة التي تم تلقينهم إياها في العراق والمنطقة، بدليل تكرارهم لنفس المشهد الاحتلالي في سورية، وهو ما يجعلهم مرشحين كالعادة مرة تلو المرة لتكرار نفس الفشل، إذ لا يمكن للشعب السوري الذي احتضن المقاومة العربية على مدى تاريخه ضد الوجود الأجنبي الاحتلالي – والعثمانيون والفرنسيون وصولاً إلى الصهاينة أكثر من خبر هذه المسألة – أن يذعن للاحتلال الأميركي أو التركي أو سواهما مهما كانت ذرائعهما التضليلية، ولا سيما أن الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب قد كشف بكل وقاحة عن الأسباب الحقيقية للوجود الأميركي في سورية ألا وهو سرقة ثروات شعبها وخاصة النفط، ما يجعل أي حرب مقاومة ضد الأميركيين مشروعة وتحظى بدعم كل شعوب العالم الطامحة للحرية والاستقلال والسيادة والكرامة الوطنية، وفوق ذلك إرادة السوريين الصلبة لطرد الغزاة والطامعين.
الدرس المر الذي ذاقه الأميركيون في العراق بعد احتلالهم له والذي كلفهم خسائر فادحة في الأرواح والعتاد وانعكس أزمة هائلة ضربت الاقتصاد الأميركي عام ٢٠٠٨ لم يمنع الأميركيين من تجريب المجرب في سورية ظناً منهم أن سرقة النفط السوري يمكن أن يعوض تلك الخسائر الفادحة، ويزيد من أرباحهم وثرواتهم ونزوعهم نحو الهيمنة، ولكن من أين لهم أن يضمنوا نجاح مشاريعهم العدوانية في سورية التي أفشلت أهداف الحرب الأميركية الإرهابية عليها خلال السنوات الماضية، ومن أين لهم أن يضمنوا لقواتهم المحتلة بقاء دائماً فيها، والسوريون لم يتركوا محتلاً يهنأ أو يرتاح على أرضهم..؟!
الجميع يعلم أن السياسة الأميركية في المنطقة وفي سورية تحديداً تعاني من التخبط والضياع والفشل بحيث يصعب على أي متابع أن يتنبأ بمستقبلها أو يجزم بنجاحها، فمن المعلوم أن واشنطن احتلت أفغانستان والعراق لكي تحاصر إيران وتسقط ثورتها، إلا أن إيران اكتسبت قوة أكبر في المنطقة وأصبح حضورها أكثر تأثيراً، وقد كان مشهد انسحاب القوات الأميركية من أفغانستان دليلاً آخر على هزيمتها، ونفس الأمر يتكرر في سورية حيث وضعت واشنطن ومعها “تل أبيب” هدفاً كبيراً لحربها الإرهابية في سورية وهو تفكيك وضرب فكرة المقاومة والحفاظ على أمن الكيان الصهيوني واستكمال صفقة أو خطة القرن التي تريد تصفية القضية الفلسطينية، إلا أن سورية استطاعت أن تفشل أهداف الحرب وأن تمتن وتوطد علاقاتها مع إيران وحزب الله والحشد الشعبي العراقي، وهاهي تنجح في إعادة العلاقات مع شقيقاتها إلى سابق عهدها… فهل كانت واشنطن تخطط لذلك أم أنها قطفت ثمن حماقات إداراتها المتعاقبة..؟!.