الثورة – حسين صقر:
مع أن جميع وزارات الدولة لا تقصر في أداء عملها ضمن الإمكانات المتاحة، وفي ظل الظروف القاهرة والصعبة من حرب إرهابية وحصار خانق، إلا أنه من المؤكد أنه لا يوجد وزارة بعينها مقصرة بذلك الأداء، ولو كان ذلك فثمة حالات فردية وقد تكون على مستوى دوائر وأقسام، في المديريات التابعة لها على مستوى البلاد، وبذلك لا يمكننا تعميم التقصير، إلا إذا كانت هناك غايات ومقاصد لتحطيم معنويات العاملين والموظفين في هذا القطاع أو ذاك، ليكون وراء الأكمة ما وراءها.
فخلال أسبوع واحد فقط التقيت عدة أشخاص من ثقافات مختلفة، وربما شرائح، وخلال الحديث الذي دار بيننا تطرقنا للكثير من المواضيع، وأكثر ما يشغل بال وفكر المواطن هذه الأيام هو الوضع المعيشي، وكيف يتدبر المواطن البسيط قوت يومه، حيث أخذ ذلك الحيز الأكبر من الحديث، وأسئلة كثيرة عما إذا كانت الأزمة سوف تنتهي والتدخل الخارجي الغربي الأميركي الإسرائيلي والتركي في الشؤون السورية، وأسئلة عن الدور الإقليمي الحالي في إيجاد حل لما آلت إليه الأوضاع بعد تأجيج نيران الحرب، وفيما إذا كان هناك أفق كي تضع الحرب الإرهابية على وطننا أوزارها، وشجون وأوجاع أخرى تناولتها تلك الأحاديث.
طبعاً نحن كمواطنين نتناقش، نتحاور نبث تلك الشجون، ونحكي لبعضنا عن آلامنا وآمالنا، ولا نستطيع الحل أو الربط، وكل ما في الأمر أننا نحلل الأوضاع، ونقرأ ما نستطيع قراءته ونتوقع بعض النهايات ليس أكثر، أي أن أحاديثنا للتسلية وتقطيع أوقات الجلسات.
المهم في نهاية الحديث الذي أثار فضول من التقيتهم كلاً على حدة، وهم يعلمون أنني أعمل في حقل الصحافة، وأكتب على صفحات الصحف والمجلات والمواقع الإلكترونية.
كان المؤلم في تلك الأحاديث، وهم مع كل أسف من المهندسين والمحامين وأصحاب الشهادات العالية، أن وُجّهوا لي سؤالاً قاسياً اختصر حالة الجهل بأهمية الإعلام ووسائله على اختلاف أنواعها، والأسباب التي أوصلتنا إلى ما نحن عليه، من يقرأ الصحف أو يؤمن بإعلامنا في هذه الأيام؟ وما الفائدة مما تكتبونه وتنشرونه يومياً وتصرفون عليه مبالغ طائلة.
في سؤالهم ذلك وجه حق من ناحية، وتجنٍ من جوانب كثيرة، فالبعض يبرر بأنه فقد ثقته بالإعلام بعد أن رأى التناقض بين ما ينشر من ناحية وحجم ما يحدث اقتصادياً واجتماعياً على الأرض، ولأن بعض المعنيين في مؤسساتنا الخدمية ينشر على صفحات وسائله أخباراً تضخم إنجازاته لكنه يتجاهل نشر ما يجب وضعه بين أيدي القرّاء، خوفاً على مصالحهم، ومن ناحية أخرى هناك في مؤسساتنا من لا يقيم وزناً لما ينشر وحتى لا يرد على ما ينشر، وكأن صوت الإعلام في واد وهم في واد آخر، لأن أهدافهم مع كل أسف هي المسيطرة.
كثير من الأشخاص لا يعلمون أن الشمعة لن تمنع الظلام، ولكنها تضيء الطريق في العتمة، وكذلك الصحفي ليس مهمته حل المشكلة واجتثاثها، ولكن مهمته تسليط الضوء على مكامن الخطأ والتنبيه لها، وعندها يتمكن المسؤولون والمختصون من معالجتها.
والكثير أيضاً يتشابهون مع من حاوروني حول من يقرأ الصحف، حيث لا يدركون أن هناك مشتركين كانت تصلهم الصحيفة إلى منازلهم أيام الطباعة الورقية، وما كان يطيب يومهم إلا بقراءتها، وأن كل ما ينشر على مواقع التواصل الذي ضاعت أسماء صحفيينا، بين حساباته، مصدره تلك الصحف، ولم تقتصر مهمة الجريدة حينذاك على مسح بللور السيارة، وتنشيف الملوخية والبامياء، ولا تقتصر حاجتهم للصحيفة لحل الكلمات المتقاطعة والأخبار المنوعة، فهناك موضوعات وزوايا وتعليقات وتحقيقات جديرة بالقراءة، واحتاجت لجهود كبيرة حتى وصلت حروفها على الصفحات البيضاء.
لذاك المحامي الذي قال لي هل يوجد عندنا إعلام؟، قلت له لا يمكنني القول: بأنه لا يوجد قضاء إذا كان هناك محام أو قاض فاسد أو غير جدير بحمل اللقب، وللمهندس لا أقول أنه لا يوجد إسكان وتعمير إذا كان هناك مهندس مقصر، وكذلك الأمر ينطبق على الكهرباء والإدارة المحلية والزراعة، لأن ذلك يقلل من جهود الآخرين.
نعم هناك إعلام مهني لدينا وهو موجود وأثبت جدارته خلال الحرب الإرهابية على بلدنا، لكن ليست مهمته محاسبة الفاسدين ومن يضربون عرض الحائط الأنظمة والقوانين بل تسليط الضوء على فسادهم إلى جانب نقل كل ما يجري على الواقع للمواطن.