الثورة – ترجمة محمود اللحام:
وصلت العلاقات الروسية – الصينية إلى المستوى الاستراتيجي ليس فقط في المجالين السياسي والاقتصادي، ولكن أيضاً في المجالين العسكري والأمني، حيث تصاعدت مخاوف قوية لدى محور الناتو في مواجهة التقارب غير المسبوق بين موسكو وبكين، ولا شيء يبدو أنه قادر على إيقاف التحالف الصيني – الروسي.
وكانت الزيارة الرسمية التي قام بها وزير الدفاع الصيني لي شانغ فو لروسيا مهمة ورمزية للغاية لعدة أسباب، إذ إنها بالفعل أول زيارة خارجية يقوم بها قائد القوات المسلحة الصينية منذ تعيينه الشهر الماضي، ومن ناحية أخرى، من المعروف أن لي شانغ فو لديه علاقات وثيقة وودية للغاية مع نظيره الروسي سيرغي شويغو منذ عدة سنوات، كما أن وزير الدفاع الصيني الحالي يخضع لعقوبات أمريكية منذ عدة سنوات أيضاً، بسبب دوره لتوسيع شراكة الصين العسكرية والتقنية بشكل كبير مع روسيا.
كان جدول زيارة (لي شانغ فو) في موسكو ممتلئاً بالفعل، حفل استقبال في الكرملين من قبل الرئيس بوتين، ولقاء رسمي بالطبع مع وزير الدفاع الروسي شويغو، ووضع الزهور تكريماً للجندي المجهول.
ولم يتوان وزير الدفاع الصيني عن التذكير بأن هذه هي الزيارة الأولى له بالفعل إلى الخارج منذ تعيينه بقوله: هذه أول زيارة لي للخارج (منذ التعيين كرئيس لوزارة الدفاع الصينية)، لقد اخترت روسيا على وجه التحديد للتأكيد على الطبيعة الخاصة والأهمية الإستراتيجية لعلاقتنا الثنائية.
وتأخذ الأهمية الرمزية لهذه الزيارة، ليس الاتفاقات المعلنة رسمياً في إطارها، لاسيما مذكرة التفاهم بين الأكاديمية العسكرية لهيئة الأركان العامة للقوات المسلحة لروسيا الاتحادية وأكاديمية الدفاع الوطني لجيش التحرير الشعبي لجمهورية الصين الشعبية، هناك نقطة أخرى تستحق الاهتمام، هي الجزء العلني من الاجتماع بين وزيري الدفاع الروسي والصيني، فقد أشار الوزيران عدة مرات إلى القرارات والإجراءات التي اتخذها رئيسا البلدين، فلاديمير بوتين وشي جين بينغ، في قطاع التعاون العسكري، دون تفصيل المحتوى بشكل علني.
هذه النقطة الأخيرة ستمثل بلاشك صدمةً إضافيةً لمحور الناتو الذي يراقب بالفعل بمرارة كبيرة الأحداث الجارية سواء في إطار العلاقات الصينية – الروسية، أو بشكل عام في إطار الفضاء الأوروآسيوي الأكبر.
علاوة على ذلك، ليس من الأسرار معرفة أن الرحلات الأخيرة التي لا تعد ولا تحصى التي قام بها القادة الأوروبيون إلى الصين، لم تكن تهدف كثيراً إلى تعزيز الشراكة الاقتصادية والتجارية مع بكين، على الرغم من أن الأخيرة هي الشريك الاقتصادي الأول للاتحاد الأوروبي، ولكن في الواقع من أجل الذهاب إلى هناك للدفاع عن القضية التي تقودها واشنطن، وهي تراجع الصين عن تعاونها الاستراتيجي مع موسكو.
لكن كل شيء يبدو أنه يسير في الاتجاه الذي يمثل كابوساً للحلف الأطلسي، ليس فقط بشأن التحالف السياسي والاقتصادي على نطاق ثنائي ومتعدد الأطراف بين الصين وروسيا، وإنما التحالف العسكري أيضاً، فالدولتان لديهما نفس الأعداء والخصوم، وإنكار ذلك اليوم في تقدير الناتو سيكون أمراً سخيفاً.
وعندما نعرف كيف زعمت الدعاية الغربية أن بكين تبدو وكأنها تنأى بنفسها عن موسكو، لا يسعنا إلا أن نتساءل كيف سيكون الوضع من الآن فصاعداً.
في الوقت نفسه، هل سيفاجئنا ذلك مرة أخرى؟ إن العالم الصغير الذي يعيش في السقوط، دون افتراض ذلك، سيحاول بالتأكيد تقليل أهمية الأحداث الأخيرة في العلاقات الصينية – الروسية.
أما بالنسبة لروسيا والصين وغيرهما من المؤيدين الأقوياء للنظام الدولي متعدد الأقطاب، فلن ينصب التركيز على الخطاب بل على العمل الجاد معاً، وهذا هو المهم ولا شيء غير ذلك.
المصدر – موندياليزاسيون