الثورة- حسين صقر:
ثمة مصطلحات كثيرة نسمعها للوهلة الأولى ونظن أنها تنطبق على مجال معين، وبعد لحظة فقط يتضح لنا أنها تشمل جوانب متعددة، والاحتكار مثال على ذلك، والذي لا يقتصر على احتكار السوق والسلع، بل يتعدى ذلك كل العلاقات الاجتماعية والعملية، واحتكار العمل أو الوظيفة إحداها.
العامة يقولون، وأسمعها منذ الصغر: سبحان من قسّم الأرزاق ولن ينسى من فضله أحداً، ولهذه المقولة مغزى عميقاً لمن يتأمله، لأن الخالق عز وجل، لم ينس ولن ينسى أحداً من نعمه التي أجزل علينا بها، لنجد البعض القلق، وبدل أن يحكمهم التنافس الشريف بالعمل كي يقدموا إنتاجاً تفخر به مؤسساتهم، تراهم يتربصون ببعضهم البعض، ويناصبون العداء، ويلجؤون الى الشكاوى والنميمة، وكأن العمل الذي أوكلوا به لا يحق لأحد القيام به، وهو حكر عليهم فقط، وخلق من أجلهم، متناسين أن العدل الإلهي محقق لا محال، ولم يخلق الخالق أحداً وقطع به، أو تركه دون إيجاد ذلك الرزق له.
وبناء عليه يجب السعي، شرط عدم احتكار الغير لهذا العمل أو ذاك، لأنه لم يك لهذا الشخص دون غيره.
ولعل ما يلفت انتباه معظمنا ونحن نتجول في أحيان كثيرة بالأسواق،أن نرى مثلاً محلات الخضار ملاصقة لبعضها البعض، وتبيع نفس الأصناف والأنواع، وكذلك حوانيت المواد الغذائية والمنظفات، وينطبق ذلك على الألبسة، وهناك أيضاً منطقة صناعية بكاملها، والمحل يلاصق الآخر لنفس المهنة، وكل يحصل على رزقه، لنرى بعض الزملاء في العمل يختلفون فيما بينهم على أداء مهمة أو القيام بعمل أو زيارة قطاع حكومي، وغير ذلك.
وبدل من أن يتنافس هذا الزميل أو الموظف مع ذاك ، لأداء عمل مميز، ترى الحساسية والخلاف والمكائد، ولهذا لن يحالفنا النجاح، وسوف يكون الإخفاق رفيقنا، لأننا لا نناصر المجتهد، بل نعاديه ونعرقل مهامه واندفاعه.
قلائل هم من يحسبون حساب غيرهم، ويتمنون الخير كما يريدونه لأنفسهم، مع كل أسف، والسبب الخوف الدائم من المجهول، وكأن أرزاق الآخرين تقلل أرزاقنا، ونجاحهم يتسبب بسقوطنا، ولأنتا لا نؤمن بالعمل الجماعي، وأن الناس يكملون بعضهم في الحقل والمعمل والمكتب والشارع والحي.
وبالعودة لما يسمى “ثقافة” احتكار العمل، وهي في الحقيقة ظاهرة أبعد ما تكون عن الثقافة، وفي الوظيفة، هي من أشد أنواع الخطر الداهم لهدم بنيان العلاقات، ومن الممكن أيضاً أن تهدد أمن وسلامة أي مؤسسة، وتتسبب في منعها من الاستمرار، ويأتي ذلك بسبب الخوف أو الحسد، حيث يظن بعض الموظفين أنه بنقله خبرته العملية للموظف الجديد المقبل على العمل، أو السماح له بعمل يشبه عمله، فإنه بذلك يدق المسمار الأخير في نعشه حيث ستتمكن المؤسسة من الاستغناء عنه، ولذلك تجد هذا الموظف هو من يقوم بكل العمل وعمليات التواصل مع الجهات المعنية بالعمل، وحتى تلك الجهات لا تملك أي تواصل مع المؤسسة إلا عن طريق هذا الموظف الذي قرر احتكار الوظيفة ومهامها، بحجة إسراع وتيرة العمل وعدم قدرته على الاعتماد على شخص آخر، وكلما سأله زميله عن أية أعمال يمكنه أن يؤديها، يأتيه الجواب بأن هذا العمل صعب ولا يمكنك تأديته.
طبعاً الحديث يطول في نظرية احتكار العمل، وإذا أردنا سوق الأمثلة فهي كثيرة، لنشر وبوح كل ما هو مؤرق في هذا المجال، ولهذا يتم اختزال الكلام عن بعض الممارسات الخاطئة والتي استمر عليها آخرون بحجة «هذا ما وجدنا عليه آباءنا»، لنؤكد أن نظرية الموظف الشامل هي سبب الفشل، وأن عملية عدم الإبقاء عليه في المكان الذي اعتاده هي أحد الحلول للقضاء على هذه الظاهرة التي تعد من أسباب تعطيل عجلة التنمية والتقليل من حماس وطاقة الشباب المشتعل والمقبل على المستقبل من بوابة العمل الحكومي الحديث.