الثورة – رويدة سليمان:
إجازة شهر بلا راتب، قابلة للتمديد تقدمت بها أم محمد إلى رئيس دائرتها والأسباب الموجبة هي ملازمة ابنها البكر في دراسته بعد انقطاعه عن الدوام المدرسي والتفرغ للتحضير للشهادة شائعة الصيت “البكالوريا”، لتكون في خدمته أربع وعشرين ساعة وتحت الطلب.
تغفو بعده وبجانبه وتصحو قبله، ترافقه لحظة بلحظة، وقائمة من الممنوعات على جميع أفراد الأسرة الالتزام بها، ممنوع الزيارات، ممنوع المنبهات والمقالي والدسم والنشويات والجوال، وضبط النفقات لصالح الدروس الخصوصية والجلسات الامتحانية المكثفة.
أما أبو محمد، فلا يمل تكرار عبارة لا تخيب أملنا، لا تضيع تعبنا (أنا بدي ياك تكون أحسن مني)، مع مقارنته مع ابن خالته وابن الجيران بلهجة تهديدية وتحذيرية من تفوقهم عليه (شوف فلان من الناس متفوق وناجح لازم تصير مثله وأحسن)، ولا يكاد يراه أحد من الأقرباء أو الجيران والزملاء حتى يمطره بوابل من النصائح والإرشادات وكم من الأدعية بالتوفيق والفرح بأحلى العلامات لابنه، طبعاً مع تذليل رسائله التربوية هذه بملاحظة أن “البكالوريا” حظ ، فيما الطالب محمد لا يملك وهو المثقل بالأحلام إلا الهز برأسه موافقاً ومطيعاً للأوامر والنصائح، فالآباء من وجهة نظرهم هم أدرى بزمن ومكان وكيفية دراسته وبمستقبله.
محمد وبعد مرور أُسبوعين على خطة عمل الأسرة بدأت تتقاذفه أمواج من التفاؤل والتشاؤم على السواء وأخذ يعاني من اضطرابات هضمية وإرهاق عصبي ونفسي ثبطت قرارت الأسرة كلها بشأن الاستنفار الأسري للدراسة.
طبيب الأسرة المعتمد أكد أن سبب هذه الاضطرابات وحالة القلق والتوتر منشأه الأهل الذين ألحقوا به ضرراً وألماً، من حيث يجهلون أساليب التربية الصحيحة والتي تؤكد أن قليل من القلق ينفع وكثيره يسبب الفشل والإحباط ويقتل الدافعية والتميز.
قليل من الثقافة التربوية، كثير من الثمار الناضجة، فما زالت أغلب الأسر تفتقر لثقافة تربوية صحيحة عن هذه المرحلة التعليمية أو تتقن أفضل الأساليب للتعامل مع أبنائهم ومساعدتهم على التحصيل الدراسي الجيد، لا سيما وأن معظم مشكلات الأبناء تنبع من عدم فهم الوالدين لما يريدون، لماهية حاجاتهم الملحة واهتمامهم ورغباتهم وميولهم.
تجنب القلق
وفي هذا السياق تؤكد الباحثة الدكتورة سناء سليمان، أن من أهم الأساليب لتجنب حالة القلق من الامتحان أن يبعد الطالب عن ذهنه إن الامتحان حياة أو موت وأن يذاكر دروسه بانتظام ووفق مهارات دراسية ومن بداية العام الدراسي، وهنا يجب على الآباء تفهم العملية الدراسية التي تساعد على نجاح الطالب ولا يكون ذلك بطريقة صناعية مفتعلة مثلما يحدث في الدروس الخصوصية المكثفة في العطلة الامتحانية، بل بطريقة طبيعية تراكمية تبدأ من بداية العام، وليس قبيل الامتحان والاستعداد الجيد الذي يأتي بنتائج ممتازة من خلال استذكار الطالب لدروسه، عبر تنظيم وقته من بداية العام الدراسي وبالتالي يجب أن يتمثل دور الآباء بمواجهة مشكلات الطالب الانفعالية بهذه المرحلة بروح رياضية وبرعاية ودراية وبأسلوب تربوي واعي لتأمين الهدوء النفسي والطمأنينة والابتعاد عن القسر والإرغام والتهديد، وأسلوب المراقبة المشددة والحرص الزائد (الإقامة الجبرية في المنزل)، وعلينا ألا نتسرع في وصفهم بنعوت سلبية كالتقصير والكسل.
وتضيف: على الطالب الاعتماد على الثقة بالنفس وتلك تأتي من حب الأهل غير المشروط بتميزه وتفوقه حتى يشعر بالاستقرار النفسي، والأمان الأسري، وعلى حد قول موريس شربل “علينا أن نحقن أبنائنا بفيروس الثقة بالنفس والإحساس بالمسؤولية والاستقلال الذاتي الكفيلة بصنع النجاح” والدراسة التي تأتي من دافع وحماس ذاتي يساعدان كثيراً على حفظ المعلومات ومعالجتها في الذاكرة، وقد بينت دراسات حديثة أن الإنسان الذي لديه هدف واضح في حياته فإن إمكانياته المعنوية تزداد بشكل كبير ويستيقظ عقله وتتحرك طاقاته وقدراته وتتولد لديه الأفكار التي من شأنها أن توصله لتحقيق هدفه، ويحذر أصحاب الحكمة والعلم طلبتهم هنا بالقول، إما أن تضعوا هدفاً لحياتكم وتسيروا باتجاهه بكل ثقة ودراية أو ستضعه لكم الظروف وبالتأكيد إما أن تضع لنفسك هدفاً أو تفشل ومساعدة الآباء في صياغة هذا الهدف يجب أن تأتي على منوال حاجاتهم وقدراتهم ورغباتهم .
ومن الأهمية التذكير أن جو العطف والحنان والحب داخل الأسرة هو الزاد الغني، والرغيف الساخن، الذي يمنح الطالب وكل أفراد الأسرة القوة الكفيلة بصنع النجاح، على الرغم من كل التحديات المادية والضغوطات الحياتية.
نعم قالها علم النفس “إن كسرة خبز يابس في بيت يسوده الوئام خير من بيت وافر اللحم يسوده الخصام”.
وللطلاب الأعزاء نقول: الشخصية الناجحة هي الشخصية المصقولة بالمعاناة والتجارب المؤلمة.