رنا بدري سلوم:
للمرة الأولى التي أعود فيها إلى منزلي بعد محاضرة توعوية أحضرها، وتقف أفكاري عاجزة وخجولة عن إيجاد صيغة للبدء في الكتابة عن فعالية مليئة بمخزون من العاطفة والعطاء، والخذلان معاً، فهي ليست محاضرة توعوية عن طيف التوحد، بقدر ما هي درس تربوي لنا، بكيفية احترام خصوصية حالات اضطرابية يعيشها البعض عنوة في الخفاء، يبتلع علقم الوحدة بعيداً عن عيون مجتمع لا يرحم بلسانه ونظراته وهمساته الساخرة، كل تلك المعاناة أوجزتها “سوسن ورور وسريحة النجار” أمهات تعايشن مع حالات أبنائهن.
فأطلقن صرخاتهن الموجعة للمجتمع في فعالية أقامتها الجمعية الخيرية في ثقافي أشرفية صحنايا يوم أمس بعنوان “أنا موجود”، فعشنا مراحل اضطراب التوحد “لكريم ووسام وسارة”، أطفال بعمر الورود يضجّون بالحركة والحياة بسبب أمهاتهن المؤمنات أن الحياة حق لهن ولأطفالهن رغم الظروف القاسية التي يعشنها مع أطفالهن في تحمّل مراحل محزنة حدّ الألم، ومخزية حدّ الندم لمجتمع لا يتقبّل ولا يرأف بتلك الحالات.
أطلقت الأمهات من خلال المحاضرة نداءات للمعنيين بإيجاد مراكز خاصة تابعة للجمعيات الخيرية بسبب التكاليف الباهظة للمراكز المتخصصة لاضطرابات التوحد، إضافة إلى المطالبة بعيادات طبية ومنها سنية متخصصة لتلك الحالات وغيرها ممن يصعب التعامل معها، ومن جملة الاقتراحات إيجاد بند في قانون العاملين يرأف بحال الموظفات لأمهات حالات اضطرابات التوحد بتخصيص دوام صباحي أو تقليل ساعات الدوام بحسب الحالة الصحية للابن، لما تعيشه الأمهات من صعوبات في الحصول على إجازات ما تدعيه حالة ابنها الصحية.
جاءت الاقتراحات بعد لمحة عامة عن حالة طيف التوحد التي قدمتاها الاختصاصيتان في التربية الخاصة وعد برغشة وسحر ركاب في محاضرتهما وعرض فيديوهات توثيقية لشرح الحالة المعرفية المبسطة بطيف التوحد، ومن خلال خبرتهما وتعايشهما اليومي مع الحالات في المركز التخصصي للتوحد فقد نوهتا إلى إرشادات عن كيفية التواصل والعلاج السلوكي والوظيفي وتعامل الأسرة والمجتمع مع حالات طيف التوحد.
في نهاية فعالية “أنا موجود” قدم أطفال “فريق نغم وقلم التطوعي” بإشراف المدرب علاء الشيخ مسرحية تأليف مدربة المسرح في دائرة المسرح المدرسي في ريف دمشق سوسن ورور، أطلق الأطفال من خلال المسرحية الهادفة صرخات أم لحالة طيف التوحد ورسائل موجهة للمجتمع عن كيفية تقبل الحالة الخاصة والامتنان على نعم خصّها الله للكثيرين، وللبعض نعمة الصبر والتحمّل والعطاء.
بدوره أعلن مدير المركز التخصصي للتوحد تيسير عيسى في الفعالية البدء بدورات مجانية يقيمها المركز للمهتمين في هذا الشأن وخصّ أمهات حالات طيف التوحد، بالإضافة إلى تقديم أطباء البلدة ومنهم “الدكتور فهد الحاج علي والدكتور رائد بدران” المعاينات المجانية وتقديم المساعدات المادية التي تلزم للنهوض المجتمعي والتوعوي، وعن الدعم الذي تقدمه الجمعية الخيرية بين رستم سلامة رئيس الجمعية في مستهل الفعالية بأنها فعالية ثقافية فنية من ضمن البرامج التي تقيمها الجمعية على مدار العام، هدفها بناء الإنسان الذي بدوره يبني وطن سليم معافى يساند ويتقبل بعضه البعض بكل اختلافاته، مكرّماً سلامة في نهاية الفعالية المدرسة سوسن ورور بتقديم شهادة “الأم المثالية”.