الثورة – علا مفيد محمد:
لعل الدرس الأكثر أهمية الذي يمكن للوالدين تعليمه لأطفالهم يتجلى في المثل القائل ” المال لاينمو على الأشجار بل يجب كسبه”.
فمع تزايد حاجة المراهق إلى النقود وكثرة الصرف على متطلباته واحتياجاته الشخصية وسط أصحابه و بين زملاء دراسته سواء بالمدرسة أو الجامعة، تقع الكثير من الأمهات في الحيرة، فمن ناحية أن لديها أكثر من ابن وابنة و من ناحيةٍ أخرى انزعاجها من فكرة أن ابنها المراهق ربما يكون ممن لا يحسنون التصرف بالمال و لا يقدّرون المسؤولية.
من هنا كان دور الآباء ربما كبيراً في تحديد مصروف الطفل اليافع والمراهق وتعليمه قيمة الادخار لوضع الأمور في ميزانها الصحيح.
الطالبة ميرا _13عاماً _ قررت أن تقوم بمشروع صغير يدر عليها ربحاً بسيطاً فكونها تجيد فن الرسم اقترحت على صديقاتها في المدرسة أن ترسم لهنّ خلفيات “لكفرات” الموبايل الخاصة بهنّ، كلٌّ حسب طلبها و بتكلفة بسيطة، و لاقت الفكرة حماساً من الجميع، حيث جمعن لها عدداً كبيراً من أغطية الموبايل و بدأت ميرا على مدار الأسبوع بالرسم والقص والتطبيق على “الكفرات” بعد انتهائها من واجباتها المدرسية.
و عند سؤالنا لها عن غايتها من هذه الفكرة أجابت ” رغم عدم حاجتي للمال لطالما والدايّ يؤمنان لي كل شيء، إلا أنني أحببت أن أجرب شعور العمل والكسب في النفس كما يفعل الكبار، وكما سأفعل أنا في المستقبل، ومع أن الرسم الذي أحبه جداً هو عمل مرهق لي إلا أنني سُعدت كثيراً حين أعجبَت صديقاتي وزميلاتي على مقعد الدراسة وغيرهن بما أنجزته لهنّ، وادّخرت المال الذي كسبته من وراء هذا العمل للذّكرى باعتباره باكورة ما جنيته في حياتي مقابل عمل “.
من جانبٍ آخر انتقدت إحدى الأمهات أن يحمل الطفل عبء هذا التفكير و ترى أنه لا ضرورة لتعليمه الادخار لطالما أهله قادرون على تلبية ما يريده.
ربما هذا الموضوع يعتبر من الموضوعات الأكثر أهمية والأعلى حساسية في الأسر المختلفة لحاجته إلى طرق اجتماعية ونفسية مقرونة بالحكمة والنظرة البعيدة في التعامل مع الأبناء.
لذلك نجد أن هناك أهالي يعلمون أطفالهم الادخار من مصروفهم الشخصي كي يعرفوا قيمة النقود فيشترون ما يريدون من مالهم الخاص الذي وفروه.
بينما أهالي آخرون يعتبرون هذا التعليم في التوفير أمراً مبكراً ولا داعي لحرمان الطفل والابن، فقد يشعر حينما يكبر أن أهله كانوا يبخلون عليه و يتولد شعور النقص عنده تجاه الآخرين.
أهمية الادخار
وفي هذا السياق تفسر لنا الدكتورة ولاء يوسف “قسم علم النفس والاجتماع “، جامعة دمشق هذا الاختلاف بين الآباء في حيثيات تعليم الأبناء الادخار، بأن الأسر الفقيرة والمتوسطة الدخل هي الأكثر تشديداً على تعليم أبنائهم تحمل المسؤولية والادخار و طرق الادخار للمدى البعيد، ولا سيما عندما يواجه الطفل المراهق مشكلة طارئة وليس لديه المال الكافي لذلك، عندها يُدرك أهمية الادخار.
و من وجهة نظر اختصاصية علم النفس أنه من الضروري والصواب تعليم الطفل كيفية الإنفاق منذ الصغر، فالادخار عادة يتم تعلمها عن طريق الاكتساب ما يشجعه على تحمل مسؤولية اتخاذ قراراته المتعلقة بإدارة أموره المالية مما يعزّز ثقته بنفسه.
وأضافت يوجد العديد من الطرق لتدريب كل طفل و مراهق على كيفية إنفاق مصروفه وذلك من خلال تشجيعه على عدم الاندفاع وراء ملذات الحياة وكيفية اختبار نتائج أفعاله وخياراته.
كل هذا يتم من خلال التحصين المنهجي التدريجي والذي يبدأ باعتماد فكرة الحصّالة أو ما يسمى” بالمطمورة” منذ سن مبكر و بتحديد مصروف شهري وليس يومياً للمراهق و تعويده على وضع خطط للإنفاق تساعده على تحمل المسؤولية ووضع ميزانية خاصة به.. بالإضافة إلى تعويده على الذهاب إلى المحال التجارية و تعليمه كيفية استخدام الآلة الحاسبة و ترتيب أولويات الاحتياجات على الرغبات.
يجب أن تعي كل أم أن طفل اليوم هو رجل أعمال الغد و تاجر المستقبل، كما أن طفلة اليوم هي الأم والزوجة التي تنظم وتتحكم في اقتصاد البيت مستقبلاً.
و تحمّل المسؤولية المالية هي إعداد مهم لهم ليكونوا أشخاصاً ناجحين في حياتهم.