كانت أمسية بطابع خاص تلك التي تحدثت عن أمير البزق محمد عبد الكريم، وذاك العشق الذي تملكه لآلة لم تحظ باهتمام يليق بها، ورغم ذلك فقد أصرّ أميرها على جعلها الآلة الأكثر شهرة في الساحة الموسيقية العربية والعالمية في الآن نفسه، بعد أن طوّرها وعزف على أوتارها أعذب وأرق النغمات.
هذه الآلة الموسيقية العريقة لا تقل شأناً عن آلة العود التي نحتفي بتصدره اليوم قائمة التراث الإنساني الثقافي اللامادي في منظمة اليونيسكو، لتضع سورية بصمة ثقافية جديدة في التراث العالمي الإنساني، وهذا ما يضمن استمراره واستدامته لجهة صناعته والعزف عليه.
وفي جولة في حنايا التراث السوري الغني بتنوعه نتوقف عند الكثير من العناصر التراثية سواء المادي منها واللامادي، ما يؤكد أن سورية لطالما شكّلت ملتقى لثقافات متنوعة، وكلها عناصر خلدها الأجداد وكانت تشكّل معلماً سورياً بامتياز، وعلى الجميع واجب حمايته.
ولا نغالي إذا قلنا بأننا اليوم في تحدّ كبير نواجهه من أجل الحفاظ على تراثنا وخصوصاً اللامادي منه، لأنه الأكثرعرضة للاندثار من جرّاء الحروب والنزاعات الدائمة وموت الكثير من الكبار الذين يحفظون هذا التراث في قلوبهم أو يمتهنون بعض الحرف التي باتت قاب قوسين أو أدنى من الضياع.
ولكن عندما يسلط الضوء على أهم عناصر التراث والعمل على حفظه كإرث وطني، عن طريق المؤسسات الثقافية والمجتمع الأهلي، والتعريف بأهميته في الندوات والمؤتمرات، والأهم تدريسه في المناهج المدرسية، عندها فقط يمكن أن نواجه ذاك الغزو الممنهج لأعداء سورية الطامعين بسرقة تراثها وآثارها، وتدمير حضارتها التي تعكس تاريخها ودورها في بناء الحضارة الإنسانية.
وربما تشكّل آلة البزق واحدة من هذه العناصرالهامة التي تستحق أن توضع على قائمة خيارات المعنيين بالشأن الثقافي، لتسجل على قائمة التراث الإنساني اللامادي، لأنها تشكّل جزءاً من كنوزنا وإرثنا الحضاري وحري بنا صونه وحفظه ونشره أيضاً.
وهنيئا لسورية إرثها العريق، وتراثها الثري، ودخول آلة العود وأنغامه وتربعه على قائمة التراث الإنساني، متمسكون بتراثنا .. والقائمة تطول…