الثورة – رفاه الدروبي:
أحبَّ حمص بحاراتها وأزقتها العتيقة وأسواقها حتى أصوات بائعيها جاب بين جنباتها عرف أنَّ وراء الجدران قصص وحكايا جميلة لزمن ولَّى ولن يعود ترك لريشته العنان كي ترشَّ ألوانها على الورق والقماش مُنتقلاً بين مدارس فنية. التعبيرية حيناً والتجريدية في أخرى كي يُعبِّر عن مكنوناته.
إنَّه الفنان التشكيلي عبد القادر عزوز حمصي الهوية والمولد 1947م تلقَّى دراسة الفن في مركز صبحي شعيب للفنون التشكيلية في واسطة العقد، وتخرَّج من قسم التصوير بكلية الفنون الجميلة في دمشق بدرجة امتياز، وفاز بالجائزة الأولى في معرض الفنانين الشباب عام 1971م له معارض فردية وجماعية ومحلية وعربية ودولية حملنا مافي جعبتنا من تساؤلات عدَّة ليكون حديثاً ذا شجون.
تجمع فني..!
* لماذا الدروب العتيقة في حمص وبيوت معلولا المتراكبة؟
** كانت نشأتي في حي شعبي ميِّزاته أنَّ بيوته متراكبة متلاصقة تنحني على بعضها البعض تعكس الحالة الاجتماعية المعاشة للمجتمع المحلي، وتمتاز بعلاقات طيبة افتقدناها بين الجيران والأهل والأصدقاء. إنَّه الحنين لزمن الأصالة والطفولة والحي العتيق. إنَّها حالة خاصة بتكوينها وتركيبها تعبِّرعن حالة أخلاقية واجتماعية وإنسانية مهمَّة بينما يختلف كلياً عن الأحياء المحدثة ففيها تختفي العلاقات الحميمية الصادقة.
تعتبر تلك الدروب والأزقة حياة قائمة بذاتها، وكم أشعر بالحنين عند عودتي من سفري إلى حمص تتسارع بي الخُطا لأتجوَّل في أسواقها وحاراتها وأزقتها كم يطربني صوت مناداة البائعين، وتعيدني ذاكرتي إلى أيام الطفولة بين جنبات المكان، وأيام الشباب وأصدقاء الدراسة الجامعية عندما كنَّا نقضي نهاراً كاملاً متابعين حركة الشمس والضوء والظل لإظهارها في لوحاتنا نتفاً من الدروب والأزقة العتيقة مشيراً بأنَّها تحمل صفة مدينة تصلح لتجمُّع الفنانين كما هو الحال بمدينة «أصيلة المغربية» لكنَّ الإسمنت والبيتون هزم الأماكن ففقدت رونقها ولم تعد كعهدنا بها.
المدارس الفنية..
* لمَ التوجُّه إلى المدرسة التجريدية مع أنك نهجت الواقعية؟ ما أهم رموزك؟
** المدرسة التجريدية يكون حسب خاصية المنطقة وعلى مرِّ تاريخنا الطويل الممتد لآلاف السنين كلّ الأعمال الفنية شبه مجرَّدة أو مُرمَّزة لا تحمل عقلية الرومانيين أو اليونانيين ممن وضعوا نسب المثالية للإنسان حُسبت لديهم كالرياضيات، وتمثال أرونينا مشبع بالحيوية والإنسانية والروح، والفرس المُجنَّح، ووضعيَّات التشابك عند «إيكوس ميكان» وغيره، وكلّ الحضارات القديمة السورية والآشورية والأكادية والبابلية وحضارة ما بين النهرين لها خاصية الإنسانية أكثر، فالتجريد موجود وحتى بيوتنا القديمة مليئة بالزخارف تظهر على الجدران والإيمان، وتميل إلى الزخرفة والابتعاد عن التشخيص من ميزات المنطقة قديماً.
* هل ينتقل الإحساس إلى المتلقي؟
** إنها تكرَّست مع الزمن بشكل أكبر وتختلف في المنطق ذاته عن الحضارة اليونانية والرومانسية والمدرسة التجريدية جزء من مدارس تُخلِّصنا أحياناً من تشابك الموضوع الأدبي أو الاجتماعي، وتعطي نزوحاً للعلاقات الخالصة بالفن وطمح التجريديون الأوائل للتركيز على الإحساس، وحاولوا تخليص الفن من الموضوع الأدبي فالموسيقا تنتقل بالشعور والإحساس من دون ترجمة ولا يوجد مترجم يفك رموزها: فرحه راقصة حزينة تنتقل بالسمع.
تجريديو العالم عددهم قليل جداً ويقدّمون شيئاً جدياً ناضجاً مبتكراً وظهرت مدارس جديدة لم تثبت قيمتها ومازالت قيد الاختبار والتجربة ظهرت فنون الليزر والحاسب الإلكتروني وأغلبها تبحث عن حل لها كي تدخل تاريخ الفن الجديد ،فالفن الجديد عانى في بداياته حتى تمَّ الاعتراف به وأخذ مكانه.
وألوان ترابية
* لماذا الألوان الترابية الشفافة؟
** تأثير البيئة المحيطة وما تحتويه من ألوان التراب الأحمر الخاص بمنطقة حمص فيكون التأثر إجبارياً ولابدَّ منه، لأنَّ الفنان مصادره من البيئة المحيطة به، ولا يأتي الفن من فراغ وكلّ فنان يعكسها بطريقة مختلفة عن الآخر وأشكال الوجوه والأزياء موجودة في الواقع ويحاول الفنان تحويرها كي تتلاءم مع أسلوب عمله.
* بما تبوح لوحاتك.؟
** إن أغلب أعمالي اعتمدت على الثنائيات رجل وامرأة العاشقين، والأم والأخت ضمن المفهوم ذاته. تداولها كثير من الناس وليس خاص به وإنما كل حسب أسلوبه وطريقته وألوانه وتشكيله وتحويره.
* هل يُلقى على عاتق الفنان مواكبة الأحداث من حوله؟
** الفن دائماً شاهد على العصر بكلّ سلبياته وإيجابياته. يُعبِّر عن روحه ومشاكله، وأزماته لا تنتهي، لأنَّ الإنسان متطلب كائن معقد والصراعات موجودة ودائمة.

السابق