الثورة – غصون سليمان:
لم تعد بعض الحرف والمهن حكراً على الرجال أو الذكور بل أخذت تستهوي أنامل النساء وهن يتذوقن نكهة الفن بشغف الرسم والخط والهواية والرغبة في الابتكار..
ثلاث فنانات تشكيليات خضن تجربة الرسم والضغط على النحاس كحرفة تعلمنها برغبة وتصميم على التحدي الذاتي لقدراتهن فكان نتاجهن لافتاً للنظر من حيث الإتقان وجودة الألوان وخصوصية النحاس بألوانه الفاتحة والداكنة.
ومن خلال مشاركتهن بالمعرض المشترك لاتحاد الحرفيين واتحاد الكتاب العرب واتحاد الناشرين السوريين على هامش مرور 100 عام على تأسيس كلية الآداب والعلوم الإنسانية بدمشق مؤخراً عن هذه التجربة وخصوصيتها تشير الفنانة التشكيلية سوزان حلاق خريجة فنون تطبيقية اختصاص خزف، وحرفية بمجال الضغط على النحاس.. أن العمل بالنحاس من أروع الحرف التراثية الدمشقية القديمة التي مازالت مستمرة إلى يومنا هذا..حيث تعلمت حلاق أساسيات هذه المهنة وأخذت تضيف تقنيات ومواد خاصة فيها للعمل على تطور المهنة وترك بصمة خاصة من روحها.
ونوهت بأن لون النحاس وبريق البرونز جذبها أكثر فهي تشارك بأربع لوحات بالضغط على النحاس مع إضافات خاصة بالأكاسيد وفق ما يراه كل فنان بأسلوبه وبما يحافظ العمل الفني على ديمومته و تمثلت اللوحات المعروضة بلوحة للشام القديمة، وأخرى عن بانياس، وزنوبيا، ولوحة تشكيل لفن الديكور المنزلي.
ولعل الحافز الذي دفعها للعمل بحرفة الضغط على النحاس هو ألا تبقى بعض المهن وبعض ألوان الفن مقتصرة على الرجال والذكور لصعوبة العمل فيها كونها تحتاج إلى قوة عضلية وجهد كبير.
لكن ورغم الظروف المختلفة أثبتت الأنثى والمرأة قدرتها على صنع الجمال والغوص بعمليات الفن حين يتوفر الشغف والحب للعمل.
شاركت حلاق بعدة معارض خاصة بالخزف والنحاس وآخر مشاركاتها في هذا المعرض الذي نحن بصدده، وقد لاقى نجاحاً واهتماماً من الجيل الصاعد.
وختمت حلاق بحكمتها المفضلة “مشوار الألف ميل يبدأ بخطوة”.
لوحة الحكم
فيما اختارت الفنانة التشكيلية سماح الحناوي خريجة اللغة اليابانية جامعة دمشق من ضمن لوحاتها المعروضة بالرسم على النحاس وأثارت اهتمام الناس والزائرين لوحة من التراث الياباني تضمنت ثلاث حكم يابانية مشهورة في تراث هذا البلد وترجمتها للعربية تقول..اصنع سعادتك بنفسك..أي أن السعادة بيد الإنسان لا عند غيره.
والثانية اسقط سبع وانهض الثامنة بمعنى لامكان للفشل في حياتهم.
والحكمة الثالثة ..إذا تراكم الغبار يتحول إلى جبل.
وجسدت في لوحة أخرى سيارة كلاسيك قديمة كرمز لمرحلة وزمن معين من التقنيات النقل .. إلى جانب لوحة نكاد نراها في كل بيت وهي مطلوبة جداً تحمل الدعاء المشهور مع صورة السيدة مريم العذراء ” يارب بارك هذا البيت” ..فيما اللوحة الرابعة فقد نسجتها الفنانة الحناوي من مخيلتها لما يتوجب أن يكون عليه باب شرقي من حيث وضع المئذنة والقبة والنقشات والفراغات والطبيعة المحيطة من أحجار وأشجار وغيرها.
وعن الوقت الذي تستغرقه في إنجاز بعض الأعمال ذكرت الحناوي بأن هناك أعمالاً تحتاج أسبوعاً، وأخرى مابين الأسبوعين والشهر نظراً لدقتها، فالمسألة الفنية يحكمها نوع وجوهر الرسمة وغايتها.
وعن الصعوبات التي تواجه الفنان بشكل عام، نوهت بأن بدايات أي عمل ربما يواجه بعض الضغوطات لكن من خلال الممارسة يتجاوزها الفنان ويتغلب عليها.
النحاس يبرز التفاصيل
وفي السياق ذاته جسدت التشكيلية وداد كيكي طالبة اللغة الإنكليزية في لوحاتها نفس وروح التاريخ في الجغرافية والأدب حيث كثفت التفاصيل المرسومة في لوحة لخان أسعد باشا بين الأبيض والأسود والرقعات المتناغمة في مساحة اللوحة..
واختارت كيكي بإحدى لوحاتها المعروضة قصيدة دمشقية لنزار قباني تجذبك حروفها المنمنمة لأبيات القصيدة كاملة مع إبراز شطر من الشعر ..” وسالت منه عناقيد وتفاح”.
ولأن الفنانة كيكي تجيد فن التخطيط والرسم وتعشق اللغة العربية فقد زينت لوحاتها وبالخط الكوفي والهندسي بآية من القرآن الكريم ” لايكلف الله نفساً إلا وسعها “.. وهكذا اعتمدت الفنانات الثلاث على النحاس باعتباره يظهر التفاصيل المطلوبة لإبراز جمال مضمون اللوحة وقد بات حرفة للنساء كما الرجال.