أسماء الفريح:
تصاعد الأحداث الأخيرة في السودان ووصولها إلى ما هي عليه اليوم من تعقيدات جاء بعد إرجاء التوقيع على الاتفاق النهائي لتسوية الأزمة السياسية في البلاد في نيسان الماضي جراء خلافات بين طرفي النزاع حول إصلاحات أمنية وعسكرية، ومسألة دمج قوات الدعم السريع في الجيش السوداني.
بعد الانقلاب على الرئيس السابق عمر البشير في نيسان عام 2019 وقعت قوى مدنية مع الجيش في آب من العام ذاته اتفاقاً لتقاسم السلطة خلال فترة انتقالية تفضي إلى انتخابات، وتمَّ تعيين عبد الله حمدوك رئيساً للحكومة، وعقب اضطرابات وأحداث شهدتها البلاد أعلن الفريق عبد الفتاح البرهان الذي كان يترأس المجلس العسكري الانتقالي في تشرين الأول عام 2021 حلَّ مجلسي السيادة والوزراء والمؤسسات الانتقالية، وفرض حالة الطوارئ، وتبادلت القوى المدنية والعسكرية الاتهامات بالمسؤولية عما آلت إليه الأوضاع.
وبعد أسابيع قليلة من تلك الأحداث أعلن قادة عسكريون وحمدوك عن التوصل لاتفاق ينص على إعادة تعيين الأخير رئيساً للوزراء، لكن ومع استمرار الاحتجاجات في البلاد استقال حمدوك بعد أقل من شهرين لتتوالى الأحداث وصولاً إلى كانون الأول عام 2021 حيث وقعت قوى مدنية مع الجيش اتفاقاً إطارياً لبدء عملية سياسية جديدة مدتها عامان، وتعيين حكومة مدنية ليتم مجدداً إرجاء التوقيع على الاتفاق النهائي للمرحلة الانتقالية مرتين خلال نيسان الماضي وبدا جلياً أن الأوضاع تسير نحو مزيد من التصعيد.
خطورة الأحداث الأخيرة التي اندلعت بين القادة العسكريين أنفسهم تكمن في حدة الخلافات بين الجيش السوداني برئاسة البرهان رئيس مجلس السيادة وقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو المعروف باسم “حميدتي” نائب رئيس مجلس السيادة على كيفية دمج قوات الدعم السريع في الجيش وحول “أي سلطة ستشرف على العملية” حيث انتشرت قوات الدعم السريع في الثالث عشر من نيسان الماضي في الخرطوم ومدن رئيسية وأعلنت في الخامس عشر منه سيطرتها على مطار الخرطوم والقصر الجمهوري واتهمت قوات الجيش بمهاجمة معسكراتها مؤكدة أن الهدف من وجودها في شمال السودان وأي مكان آخر هو “تحقيق الأمن والاستقرار ومكافحة تهريب البشر والهجرة غير الشرعية”.
الجيش أكد، بدوره، أن حفظ وصون أمن وسلامة البلاد يقع على عاتقه دستوراً وقانوناً مبيناً أن السودان “يمر بمنعطف تاريخي وخطير وتزداد مخاطره بقيام قيادة قوات الدعم السريع بتحشيد القوات والانفتاح داخل العاصمة وبعض المدن” وشدد لاحقاً على أن ما تقوم به قوات الدعم السريع يعد “محاولة فاشلة للاستيلاء على الحكم بالقوة” و”تمرداً” على الدولة داعياً إياها إلى الكف عن ذلك ومعلناً رغم ذلك التمسك بما تم التوافق عليه في إطار الاتفاق النهائي.
مع كل ما سبق لا يمكن لأي عاقل أن لا يربط تفجر الأوضاع في السودان وفي هذا التوقيت بالذات عما يجري في المنطقة من تحولات إيجابية، ومحاولات الكيان الإسرائيلي وواشنطن دفع الأمور إلى التأزم في وادي النيل لضرب الأمن العربي وتقسيم الدول واستنزاف مقدراتها وسرقة ثرواتها لكن يبقى الرهان على وعي السودانيين لما يحاك لهم من مخططات تستهدفهم وجودهم ووحدتهم.
