الملحق الثقافي- عبد الحميد غانم:
في مهامه العظمى، يسعى المفكر في إطار دوره التنويري والتوعوي بث الوعي الفكري بين جماهير الأمة والوطن من أجل تحريرها من سلطة الجهل والأمية والمرض وسلطة الذات ومن أجل تحفيز الإنسان على استعمال قدراته العقلية والذهنية وحثه على اليقظة والنهوض بواقعه والانتقال به إلى واقع يسود فيه الوعي والمعرفة والثقافة.
يقوم المفكر بدوره عن طريق الثقافة بترسيخ مبادئ الفكر النقدي لدى الفرد في المجتمع وتحويله إلى ممارسة ثقافية اجتماعية تؤدي إلى التقدم والتطور.
كما أن المفكر يمتلك ناصية الوعي الفكري والثقافة الواسعة التي يتمكن من خلال الحوار مع الآخرين الإجابة عن أسئلتهم واستفساراتهم وإقناعهم بآرائه وأفكاره المطروحة للحوار.
والإنسان الذي لا يمتلك الوعي الفكري والثقافة والمعرفة كالإنسان الذي يدخل المعركة دون سلاح.
فالحاجة للفكر هي حاجة للوعي الذاتي والتي من خلالها يكتشف الإنسان الفجوة بين الواقع والممكن عن طريق العلم والمعرفة والقراءة، ثم يتبعها العمل.
ويكمن هنا دور المفكر الذي يتحسس هموم مجتمعه ويدلهم على الحلول ويحفزهم على المشاركة في مواجهة مجتمعهم للتحديات الماثلة.
لذلك فإن أعظم مسؤوليات المفكر في مجتمعه، هي أن يجد السبب الأساس والحقيقي لانحطاط المجتمع، ويكتشف السبب الأساس للركود والتأخر والمأساة بالنسبة لمواطنيه، ثم يقوم بعد ذلك بتنبيه مجتمعه إلى السبب الأساس لمصيره وقدره التاريخي المستقبلي، ويبدي لمجتمعه الحل والهدف، وأسلوب السير الصحيح الذي يلزمه من أجل أن يتحرك ويتخلص من هذا الوعي.
ويقوم المفكر بنقل المسؤولية التي يحسها هو من طليعة المفكرين إلى مجتمعه.
لذلك تقع على المفكر مسؤولية كبيرة في قيادة المجتمع والأمة نحو إنارة ذهنيته وفكره نحو الخلاص من المشكلات وتنير دربه نحو استعادة دوره ونحو التطور والتقدم.
المفكر باعتباره منتج وعي الناس، وقادراً على الإبداع، بمعنى أنه قادر على تغيير تصور الناس لواقعهم.. وتغيير المفاهيم والذهنيات فى إطار الثقافة المجتمعية، وتحرير الفكر من المعوقات التي تُقيده.
لكن.. هل المثقف في وضع أو في حالة تمكنه من أداء هذه المهمة، مهمة إعادة بناء الفكر وتجديده؟
في ظل الظروف والأوضاع الراهنة للوطن والأمة يبدو أن الدور الفاعل للمفكر قد تراجع بفعل عوامل موضوعية وذاتية، من بينها غياب الأولويات، وغياب المشروع الثقافي النهضوي قطرياً وقومياً، وتعثر هذا المشروع انعكس على النتاج الثقافي عموماً، فضلاً عن ضعف المأسسة في حياتنا، وتخدير الحس النقدي لدى المفكر بسبب انشغاله بتأمين لقمة عيشه والتحديات العالمية نتيجة الليبرالية الغربية الجديدة التي باتت تضرب في أي اتجاه سياسي وأمني واقتصادي وثقافي وإعلامي.
فأصبحنا أمام غياب مشروع فكري نهضوي حضاري، يتعامل بإبداع مع متطلبات العصر وتحولاته، ويواجه التخلف والتسلط والفساد والتمييز والتجمد التراثي، ويملك الرؤية النافذة، والإرادة والآليات اللازمة.
إن المطروح اليوم في ضوء مستجدات الواقع في اتجاه استيعاب أكبر لمعطيات المرحلة يتطلب من المفكر التمييز بين الظرفي الآني والظرفي المستقبلي، ووعي تحديات وصعوبات ومشكلات المجتمع ووعي الطموحات والأهداف المتمثلة في التحديث والتطوير وضرورة اضطلاع المفكر بمسؤولياته ودوره الطليعي والدعوة إلى العلم والروح العلمية وامتلاك ناصية المعرفة وامتلاك المستقبل عبر نقد آليات الواقع الاجتماعي والثقافي التي تذكي التأخر والتبعية، والدعوة إلى تحديث الفكر وطريقة التفكير، والتفتح على المناهج الحديثة في التربية والتعليم والحصول على العلم والمعرفة والانتقال إلى المستقبل بأدوار معرفية مواكبة للعصر والتواصل مع التيارات الفكرية الحضارية المتنورة والرحبة.
العدد 1146 – 6-6-2023