الملحق الثقافي- حسين صقر:
ثمة عوامل كثيرة يسعى الإنسان من خلالها لتعزيز ارتباطه بالأرض والوطن، وهي المنزل والأسرة والوضع الاجتماعي، وكلما كانت تلك العوامل متوافرة وموجودة بقوة، ازداد هذا الارتباط، وأصبح صعباً عليه الابتعاد، وهو ما يعني شعور الشخص بالانتساب إلى تلك العائلة والأسرة وهذا الوطن، وبذله الغالي والنفيس لكي يحافظ عليه، وعلى الأرض التي تمنحه الهوية والجنسية وذاك الانتماء.
ومن هذا المنطلق فالانتماء يتنوع بين الاجتماعي والديني والفكري والمؤسسي والأسري والعائلي، لكن شرط ألا يصل مرحلة التطرف والمغالاة، وبذلك يستطيع الإنسان تعزيز الانتساب والانتماء وحتى التعلق بوطنه وأسرته ومنبته ومسقط رأسه.
لكن في ظل الفورة الإعلامية وتنوع وسائل الاتصال والغزو الثقافي والفكري والإعلامي أصبح البعض من الأفراد، ولاسيما من ينقصهم الوعي بحاجة ماسة للتوعية، وهذا يتطلب وجود رجال كفوئين لنشر الفكر العملي البعيد عن التنظير، والمقرون بالفعل، بعد أن يكونوا هم أنفسهم قدوة للغير، بحيث يحافظ هؤلاء على أصول التربية والتمسك بكل ما من شأنه تقوية أواصر العلاقات بين الأفراد فيما بينهم من جهة، والفرد بالمجتمع من جهة أخرى.
المنظمات العالمية لحقوق الإنسان، الحقيقية منها طبعاً، والتي لاتديرها قوى الهيمنة الغربية، كفلت حق الفرد في الحصول على الجنسية، والحرية في الانتماء إلى التيارات والأحزاب السياسية والفكرية، شرط أن يحترم هذا الفرد أو ذاك حقوق الآخرين ولا يؤذيهم، وألا تمس نشاطاته بأمن واستقرار البلاد.
وتلك المنظمات بالطبع يقوم عليها أشخاص مفكرون وأدباء وسياسيون واقتصاديون وباحثون، يتوقف دورهم على زيادة أواصر الترابط بالعلاقات الشخصية والاجتماعية، بما يدعم نهضة ونجاح المجتمع وبنائه لينافس باقي الدول في الحضارة والتقدم.
كما يساهم دور المفكرين في انتشار الأخلاق الحميدة والمبادئ السامية، والتحليّ بروح التعاون والتآخي، ودعم مسيرة التطور في المؤسسات وأماكن العمل ومؤسسات الإنتاج.
إن الإحساس بأهمية دور الانتماء ومشاركة الفرد في تحقيق مصلحة وأهداف العمل بشكل إيجابي، يقوي الصلة بالمحيط الأسري والمجتمع المحلي، وينمي شعور الفرد بالمسؤولية اتجاه الوطن والمجتمع الذي يعيش به، والذي يحقق له حالة من الاستقرار والارتياح النفسي والشعور بالمسؤولية، والسعي المتواصل لتحقيق الذات.
وبالتالي على المفكرين والأدباء وكل من ينضوي تحت جناح الوعي تقع المسؤولية في ترسيخ فكرة الانتماء للوطن والعشيرة، وذلك عبر الندوات والفعاليات والحوارات والأنشطة الثقافية، وذلك في ظل تدهور العلاقات الاجتماعية نتيجة الانفلات الإعلامي وتنوع وسائل الاتصال والتواصل، وعلى هؤلاء يقع الدور الأكبر في تنمية الشعور بالأمان وعدم الاغتراب والتقارب بين الفرد وبين المحيطين به، ما يشعر الإنسان بأنه ليس وحيداً ومحاطاً بالعزوة والإحباء، وبذلك يعتز بوطنه ورموزه، وتصبح لديه الرغبة جامحة للمشاركة في بنائه وتطويره، واحترام العادات والأعراف والتقاليد الإيجابية السائدة، كما يصبح الالتزام لديه طوعياً بالقوانين والأنظمة الإدارية، وتنعدم لديه حالة التمرد على القانون، ويصبح أكثر شغفاً بالتحلي بالأخلاق الحميدة والسلوكيات الإنسانية الطيبة.
وكلما ركز المفكرون والطبقة المثقفة والواعية والفعاليات الدينية والتربوية علة نبذ العنف وعدم استعماله أسلوباً لحل المشاكل والخلافات، كلما سادت المصالحات والهدوء، وأصبح اللجوء إلى القضاء والأمن للفصل في النزاعات أكثر طلباً.
والانتماء أيضاً يجعل الإنسان نظيفاً محافظاً على البلد والشوارع، وعلى الممتلكات العامة من حدائق ومدارس ومستشفيات وغيرها من الخدمات، وبث روح التعاون والمحبة والابتعاد عن الفتنة والطائفية والعنصرية، التي تضر بمصلحة المجتمع والوطن، كما يشجع على خدمة المواطن والمجتمع من خلال المشاركة بالأعمال الخيرية والتطوعية المحلية، وهذا بالنتيجة يفضي لاحترام أنظمة العمل والالتزام بإنجاز الأعمال المطلوبة، وخدمة المواطنين بأخلاقية عالية، وهذا أيضاً يتوقف على دور المفكرين وأصحاب الشأن والقياديين في المجتمع والمجالس المحلية.
كل ذلك يمكن أن يتم عبر برامج توعوية ولقاءات مع فئة الشباب، وذلك بهدف إيصال الأفكار والمعتقدات والقيم وزرعها في المكان الصحيح ووضع المستهدفين من تلك البرامج على السكة الصحيحة.
العدد 1146 – 6-6-2023