الثورة_ نور جوخدار:
كانت جدران الخوف الحديدية وجدران زنزانته في سجن صيدنايا سيئ الصيت قاعته الدراسيه، وكانت آلام زملائه وحاجتهم للعلاج مرجعه الطبي، عالج الكثير من رفاقه في السجن وأعاد لهم نبض الحياة بخبرة اكتسبها خلال وجوده في السجن، فكان طبيباً بدون شهادة.
وفي حديث له في بودكاست بتوقيت دمشق مع الإعلامي حسين الشيخ رصدته صحيفة الثورة يروي معاذ صفراوي خريج الأدب الفرنسي ذكريات يرفضها النسيان خلال تسع سنوات عاشها بين أروقة السجن فيقول: إنه ابن مدينة دمشق حي الميدان من أصل جزائري يعمل في مجال التجارة لديه مكتب لبيع وشراء السيارات ومحل لبيع الخضروات والفواكه ولديه مركز طبي خاص بطب الأسنان.
من سجن الطاحونة الحمراء إلى صيدنايا
وعن بداية اعتقاله يقول صفراوي: إنه بسبب خلاف بينه وبين أشخاص على صلة بهم حول محل تجاري تم اعتقاله من قبل عصابات الدفاع الوطني بسبب تقرير كيدي واقتياده إلى جبل قاسيون إلى سجن يسمى “سجن الطاحونة الحمراء” وهو عبارة عن سجن سري مكون من ثماني غرف لا يقل إجراماً في التعذيب والترهيب عن سجن صيدنايا كان يتبع للحرس الجمهوري مختص بفترة من الفترات باعتقال التجار وأصحاب الأموال لابتزازهم وتحويلهم لجهة أمنية لكي لا يتم السؤال عنهم في يوم من الأيام من قبل عصابات الدفاع الوطني، وتحويله للشرطة العسكرية بتهمة ضبط مسلح ودعم لوجستي للمسلحين ومن ثم نقله لسجن صيدنايا البناء الأحمر.
وفي عام 2017 دخل الصفراوي سجن صيدنايا الذي كان يتعرض فيه السجناء في تلك الفترة لأقسى العقوبات والتعذيب الوحشي والإعدامات الممنهجة والاعتداءات الجنسية التي ينظمها السجانون بين السجناء، بالإضافة لانتشار الأمراض ومنع الدواء كنوع من عمليات التصفية للسجناء.
بداية تعلم مهنة الطب..
يتحدث صفراوي أن الشخص المتعلم المثقف يتم تسليمه مهمة رئيس المهجع الذي يتواجد فيه، وكان هو يرفض تلك المهمة خوفاً من الموت ويقول للسجانين أنه غير متعلم، وبعد ثلاثة أشهر من دخوله السجن تم زيارته من قبل والده وزوجته وابنه، وبسبب طفله البريء، الذي اعتبره دكتور عندما سأله أحد السجانين ماذا يعمل والدك فأجابه “بابا دكتور أسنان” من هنا وبعد عودته للمهجع وخوفاً من أن يتهم بالكذب بدأ طبيب صديق له في السجن تعليمه على مهنة الطب من خلال رسم أعضاء الإنسان على ورقة قصدير علبة اللبن وشرح له عن التشريحات الطبية وأعراض الأمراض والأدوية والتركيبات الكيميائية الخاصة بها وبقي مدة سنة في التعليم، أصبح اسمه متداول بين السجانين والشرطة داخل السجن وتم اعتماده كطبيب فيه.
وخلال تلك الفترة تم إعدام صديقه الطبيب وأصبح الضغط عليه كبيراً وتعرف أثناء ذلك الوقت على عدة أطباء منهم طبيب أطفال وطبيب نسائية وطبيب علاج نفسي وآخر طبيب كيميائي وأخذ الخبرة منهم.
معاملة أطباء النظام..
يروي صفراوي قصصاً تعرض لها أثناء علاجه زملائه، ويقول: إن طبيب النظام كان يدعي القرف منهم ويتم فحصهم في أغلب الأوقات بأرجلهم أو من بعيد بسبب أمراض السل والكوليرا وغيرها، ووصف دواء “ستموت بعد قليل” السيتامول على حد تعبيرهم وما كانوا يقولون لهم.
وفي يوم من الأيام صادف أن تعرض أحد السجناء لحالة فج في الرأس بعد تعذيبه من قبل جنود النظام في السجن، وسُئل عن إمكانية قيامه بخياطة الجرح، فكانت تلك أول عملية يقوم بها صفراوي.
قصص من السجن..
وعن أقسى وأصعب العمليات التي عالجها يقول صفراوي: ان أحد نزلاء السجن الجدد تعرض للتعذيب في ما يسمى الدولاب فانكسر عظم الظنبوب في قدمه وانفصل الساق والقدم عن بعضه فأصبح لديه هبوط في القدم وموتها بسبب جرح كبير فيها بالإضافة للرائحة الكريهة التي تصدر منها ما سبب بإصابتها بالغرغرينا التي تتلف الخلايا، فلم يكن لديهم في السجن أي نوع من المخدر الطبي فاضطر لبتر عضلات القدم عن طريق شفرة وحامل وقص العضلات وربطها بضاغط ومن ثم تحويله لمسلخ تشرين أي مستشفى تشرين العسكري، حيث أكمل بتر القدم بشكل أكبر وارتفاع أكبر وبقي الجرح مفتوحا ثم تم إرجاعه للسجن فقام بالعناية به لمدة ثمانية أشهر حتى التئم الجرح بشكل عام.
كما عالج صفراوي مرضى العصبي النفسي “سايكو” قصة الشاب فراس والذين تأتيهم نوبات صرع بعد تعرضهم للكثير من التعذيب تحت أيدي الجزارين في السجن.
لحظة إصابته..
كل شيء في السجن صعب لكن أصعب لحظة مرت عليه لحظة إصابته في عام 2018 وقيام عناصر النظام بإخصائه بالضرب بعد تعرضه لما يقارب الـ 700 ضربة كبل ضمن دولاب الموت.
أصوات التحرير
في ليلة تحرير السجن قال صفراوي: إنه بالعادة ينام باكراً بعد صلاة العشاء وعند استيقاظه في الساعة الثانية بعد منتصف الليل سمع أصوات الشرطة يصرخون، فقام أحد أصدقائه بالقول له إن هناك أصوات تكبير تتعالى من بعيد، وبدأ الصوت يقترب إلى أن تم فتح باب السجن الخارجي وصدور إطلاق رصاصة واحدة، فأصبح لديهم حالة من الخوف بأن يكون جنود النظام يقومون بفخ لاختبارهم في حال حدوث شيء ما كيف سيتصرفون، بعد ذلك الحديث مع رفاقه في الزنزانة وتهدئتهم، تم فتح شراقة باب الزنزانة من قبل الثوار وتحريرهم وهم في حالة صدمة مما يحدث، وأثناء الخروج من باب السجن كان أهالي المعتقلين يوزعون الثياب والأكل عليهم.

السابق