حراك سعودي في سياق عالمي

خميس بن عبيد القطيطي- كاتب من سلطنة عمان:

التحولات  الجيو – استراتيجية التي تشهدها المملكة العربية السعودية والتي تتشكل في إطارها العربي والإقليمي وتبرز أهمية تمحورها وامتدادها نحو صياغة حالة عالمية جديدة تتجلى ملامحها في جملة من المواقف الدولية الراهنة، ولا شك أن هذه المواقف الكبرى التي تتبناها المملكة في سياق التحولات العالمية إنما تنطلق من الأهمية الجيو – استراتيجية للمنطقة والإمكانيات الكبرى التي تزخر بها والتي تمنحها الحق في التطلع إلى هكذا مواقف متقدمة في السياسة الدولية، وهذه التحولات لم تكن لتحدث لولا وجود مستوى من الإرادة السياسية تمتلكها القيادة السعودية لإحداث مثل هذه التحولات المواكبة لخططها الوطنية والمتناغمة مع التحولات العالمية كما تبرز أهميتها من خلالها تجاوز دورها الوطني لتبني مواقف عربية جماعية لإحداث التأثير السياسي والاقتصادي والاجتماعي المنشود.
زيارة الرئيس الأميركي بايدن للسعودية صيف العام الماضي 2022م والقمة العربية الأمريكية استبقها وأعقبها جملة من الأحداث والتحولات المتسارعة التي شكلت إضاءة في حركة السياسة الإقليمية والعالمية، وجاءت أبرز نتائجها في تعدد الخيارات الدولية لدى المملكة العربية السعودية وربطها مع القوى الدولية الصاعدة فجاءت القمم الصينية الثلاث لتسجل حضوراً سياسياً اقتصادياً صينياً منسقاً مع السعودية انبثقت أهميته من خلال مبادرة الحزام والطريق الصينية التي تفتح آفاقاً اقتصادية رحبة لطريق الحرير الصيني مع دول المنطقة وعقد اتفاقيات كبرى مع عدد من الدول العربية والإقليمية في ظاهرة اقتصادية هائلة قدمت نفسها بخطوات متسارعة على المشهد الاقتصادي العالمي.
أعقب ذلك تبني المملكة مع دول أوبك بلس سياسة نفطية جديدة بالتخفيض المنظم في حركة مرنة للحفاظ على التوازن الاقتصادي العالمي والسيطرة على تقلبات أسواق النفط وهذه السياسة النفطية التي تقودها الرياض في مجموعة أوبك+ ما زالت قائمة وتأتي متوافقة مع السياق الاقتصادي الصيني والروسي على خلاف ما تأمله واشنطن وتهدف إليه من خلال زيارة بايدن للمملكة وهذا التوجه الاقتصادي الجديد يقدم رسائل ودلالات سيادية مختلفة عما كان سائداً في العقود الماضية وهيمنة البترودولار على الاقتصاد العالمي، ولا شك أن هذه السياسة النفطية الجديدة قدمت مساحة مريحة للاقتصاد الروسي بالحفاظ على مستوى أسعار النفط العالمية، وبالمقابل لم تتوقف العلاقات الاقتصادية السعودية مع الولايات المتحدة من خلال اتفاقيات التسليح الضخمة، كما أن هناك اتفاقيات مماثلة أبرمت مع الصين بعشرات المليارات للاستثمار في مواكبة لخطة المملكة 2030.
دخول المملكة للمصرف الجديد لدول بريكس الذي سبق دخولها كأحد الأعضاء شكل قاعدة قوية للمصرف العالمي ومتانة اقتصادية للمجموعة الدولية التي شكلت أكثر من ٣١% من الاقتصاد العالمي متجاوزة الحجم الاقتصادي لمجموعة السبع الكبرى وهذا بحد ذاته يشكل تحولاً كبيراً في سياق عالمي يهدف إلى تشكيل عالم متعدد الأقطاب يزيح هيمنة الدولار عن الاقتصاد العالمي ويقدم سلة من العملات لحالة اقتصادية قادمة محتملة، إضافة إلى أن تقدم ما يزيد على 12 دولة وطلبها الانضمام للمجموعة يؤكد أن هذه المجموعة الدولية تسير قدماً نحو تبني عالم جديد يمكن أن تجد نفسها في المستقبل القريب أحد أهم المؤسسات الدولية الفاعلة في عالم متعدد الأقطاب، كما أن انضمام السعودية لمنظمة شنغهاي للتعاون أكدت على التوجه الاقتصادي السعودي الجديد والمعروف أن منظمة شنغهاي للتعاون (SCO) تهدف إلى بناء نظام عالمي متعدد المراكز، يتسق بشكل تام مع قواعد القانون الدولي ومبادئ الاحترام المتبادل، التي تلبي مصالح كل دولة، ومقر هذه المنظمة في بكين بلا شك يقدم انطباعاً بوجود ثنائية عالمية تجمع بكين – الرياض والتي تجسدت في بيان بكين الذي قدم مفاجأة للعالم بتحقيق اتفاق بين إيران والسعودية أنهى قطيعة ثقيلة دامت سبع سنوات تجاوزت تأثيراتها البلدين لتشمل عموم المنطقة، وقد جاء الاتفاق برعاية صينية ليؤكد على تصدر الصين لقضايا دولية كبرى مترجماً الدور الصيني في حركة السياسة الدولية القادمة.

الأسبوع الفائت كانت زيارة بلينكن وزير خارجية أمريكا إلى المملكة العربية السعودية ولقاؤه مع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان آل سعود وعقده مؤتمراً مشتركاً مع وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان وهذه تعتبر الزيارة الثالثة لمسؤول أمريكي في ظرف زمني وجيز وذلك بعد زيارة سوليفان مستشار الأمن القومي ووليام بيرنز ورئيس السي آي أيه كلها محاولات لإحياء التحالف الأمريكي السعودي واحتواء الفتور الذي طرأ على العلاقات السعودية الأمريكية، ولكن المملكة تؤكد دائماً أنها تشق طريقها الجديد نحو العالمية بشكل متوازن في السياسة الدولية يقوم على السيادة الوطنية واحترام مصالح الجميع، وكانت المملكة العربية السعودية قد شهدت في نفس اليوم لزيارة بلينكن فتح السفارة الإيرانية بالرياض والقنصلية في جدة كما استقبلت الرياض الرئيس الفنزويلي مادورو في فترة متزامنة وكلها رسائل سعودية نوعية تقدمها المملكة في سياق التحولات العالمية التي تقوم على الاحترام المتبادل وتبادل المصالح يؤسس لعالم متعدد الأقطاب وهي اليوم لا تتحرك بمفردها حيث تستلم رئاسة الجامعة العربية وتمد جسورها نحو عدد من القضايا العربية خصوصاً في سورية التي زار وزير خارجيتها الدكتور فيصل المقداد المملكة خلال الأسبوع الجاري في تنسيق مستمر مع القيادة السعودية لإبراز أهمية التباحث بين الأشقاء في تشكيل دعامات مساندة للعلاقات الثنائية العربية وتفعيل الأدوار العربية والإقليمية والدولية مع سورية ولتجاوز العقوبات الأمريكية المتجددة وحسم ملفات سورية ينبغي تزامنها مثل إعادة الإعمار وعودة النازحين واللاجئين إلى أرضهم وديارهم وتهيئة البنية الأساسية التي نعول فيها على رئاسة المملكة العربية السعودية الحالية واضطلاعها بهذا الدور العروبي، ولا شك أن متابعة الأوضاع في السودان يحمل أهمية كبيرة لتطويق هذه الأزمة قبل تدويلها إضافة إلى ملفات عربية أخرى تتطلب عملاً سعودياً وعربياً فاعلاً يعزز العمل العربي المشرك، كما أن الحراك السعودي على المشهد الإقليمي والعربي يؤسس لحالة عربية تتمحور فيها الرياض وتترجمها المواقف السعودية لتقديم نفسها في صدارة المشهد العالمي مع الأقطاب الدولية الناشئة لبناء واقع عالمي متجدد يضع أسساً صلبة للأمن والسلم والاستقرار العالمي.
* المقال ينشر بالتزامن مع صحيفة الوطن العمانية ورأي اليوم

آخر الأخبار
السفير الضحاك: عجز مجلس الأمن يشجع “إسرائيل” على مواصلة اعتداءاتها الوحشية على دول المنطقة وشعوبها نيبينزيا: إحباط واشنطن وقف الحرب في غزة يجعلها مسؤولة عن مقتل الأبرياء 66 شهيداً وأكثر من مئة مصاب بمجزرة جديدة للاحتلال في جباليا استشهاد شاب برصاص الاحتلال في نابلس معبر جديدة يابوس لا يزال متوقفاً.. و وزارة الاقتصاد تفوض الجمارك بتعديل جمرك التخليص السبت القادم… ورشة عمل حول واقع سوق التمويل للمشروعات متناهية الصغر والصغيرة وآفاق تطويرها مدير "التجارة الداخلية" بالقنيطرة: تعزيز التشاركية مع جميع الفعاليات ٢٧ بحثاً علمياً بانتظار الدعم في صندوق دعم البحث العلمي الجلالي يطلب من وزارة التجارة الداخلية تقديم رؤيتها حول تطوير عمل السورية للتجارة نيكاراغوا تدين العدوان الإسرائيلي على مدينة تدمر السورية جامعة دمشق في النسخة الأولى لتصنيف العلوم المتعدد صباغ يلتقي قاليباف في طهران انخفاض المستوى المعيشي لغالبية الأسر أدى إلى مزيد من الاستقالات التحكيم في فض النزاعات الجمركية وشروط خاصة للنظر في القضايا المعروضة جمعية مكاتب السياحة: القرارات المفاجئة تعوق عمل المؤسسات السياحية الأمم المتحدة تجدد رفضها فرض”إسرائيل” قوانينها وإدارتها على الجولان السوري المحتل انطلقت اليوم في ريف دمشق.. 5 لجان تدرس مراسيم و قوانين التجارة الداخلية وتقدم نتائجها خلال شهر مجلس الشعب يقر ثلاثة مشروعات قوانين تتعلق بالتربية والتعليم والقضاء المقاومة اللبنانية تستهدف تجمعات لقوات العدو في عدة مواقع ومستوطنات “اللغة العربيّة وأثرها في تعزيز الهويّة الوطنيّة الجامعة”.. ندوة في كلية التربية الرابعة بالقنيطرة