الثورة – فاتن دعبول:
لأنهم يملكون العين الثاقبة والروح الحاضرة، يلتقطون تفاصيل الحياة على طريقتهم، ويسكبون أوجاعهم بسخرية وألم على أوراقهم التي تضج من صراخ يتصاعد وأنفاس تكاد تقتل في الصدور.
هم الأدباء جمعتهما الرؤى والحياة وبضع حكايات في مهرجان أدبي احتضنه فرع دمشق لاتحاد الكتاب العرب بإدارة الناقد أحمد علي هلال.
وبين د. إبراهيم زعرور أن الأدب لطالما كان ذاكرة شعب ومرآة للواقع، وهذا بدوره يحمل الأدباء مسؤولية حمل هذه الرسالة بأمانة، وتقديم ما من شأنه الارتقاء بالمجتمع وتطهيره من العادات والتقاليد التي تكبله، والنهوض به باتجاه الوعي والعقلانية والعلم، والمهرجان الأدبي هو فرصة لتقديم كل جديد بما تجود به أقلام الأدباء، وخصوصاً أنه يضم نخبة منهم، ولهم طويل باع في الشأن الأدبي والثقافي.
وفي قصتها” اعتراف رجل” تحكي الأديبة رنا السحار عن تبعات الحرب وما خلفته من فقد وتشتت وضياع، فلم تكن الحرب حدثاً عابراً، بل استطاعت أن تترك في النفوس الكثير من الندبات والتشوهات، هذا إلى جانب تحالف بعض التجار مع الشيطان في رفع الأسعار ليكون الموت مضاعفا، ناهيك عن الآلام التي لا تكاد تبرح القلوب المتعبة، تقول:
” لقد خانتنا الحياة وكل شيء حولها حوّلنا إلى ضباب يعجز عن السير .. في هبوب رياح اقتلعت أرواحنا فحولتها إلى أشباح تسير بلا هدى ..”
ويتوقف الكاتب عوض سعود العوض في قصته” زوبعة في شراع” عند بعض العادات التي ماتزال حاضرة في المجتمع، وخصوصاً في طقوس الزواج، وهذه الازدواجية في تقديم كل طرف نفسه على أنه الإنسان المتكامل الخالي من العيوب، وبعد الزواج تتكشف الأمور، وتبدأ العلاقة الزوجية بالتلاشي، وهي دعوة للوضوح والصراحة من أجل علاقة زوجية سليمة.
أما الكاتب نصر محسن الذي شارك بقصة” أنا وصاحب القبعة” فقد سكب فيها من روحه وأوجاعه التي هي جزء من أوجاع المجتمع، ويحاول الهرب منها فيحطم مرآته التي تنقل له الواقع دون زخرفات أو تجميل، ولكن هيهات له أن تغادره تلك الحياة الصاخبة، يقول” في غرفتي لا يوجد مرآة، وعلى الرغم من ذلك أبحث عنها، وأخشى أن أجدها ..”
وبدوره قدم الأديب وفيق أسعد مجموعة من القصص القصيرة الساخرة التي تنم عن وجع كبير يسكن في النفس، وهي بوح شفيف يعبر عن قهر من الفقر والحاجة، فكانت قصصه” حركة ما في سلة المهملات، مواخير الدمع” تحكي وتغوص في النفس الإنسانية التي اكتوت بنار الحرب وتبعاتها.
وقدم الكاتب محمد قشمر قصة بعنوان” فرجة للبوح” بطريقة مرحة وقريبة جداً من الواقع، يحكي فيها تلك العواطف التي تشتعل في قلوب العشاق قبل الزواج، وتلك الصورة المشرقة التي يتحليان بها، وتبدو العلاقة وردية ما يدفعهما إلى الإسراع في الارتباط، وسرعان ما تظهر الحقيقة، بأن لا قواسم مشتركة تجمعهما، وكأنهما من عالمين متباعدين، ما يؤدي إلى نتائج غير محمودة.
يقول” كانت ضربة قاسية تلقيتها في أول ساعة من ليلة زفافي.. لقد دب بيننا نوع من التضاد السلبي..”
واختتم المهرجان الأدبي بقصائد قدمها د. عيسى درويش، ومن قصيدته” لوم” نقتطف:
ولائم في الهوى عما أكابده، من بعد عمر إلى الخمسين قد وصلا
فقلت يا لائمي والقلب في جسدي، فكيف أترك قلبا صار منشغلا
وتلا المهرجان الأدبي مجموعة من المداخلات التي شكلت قيمة مضافة، هذا إلى جانب تقديم الناقد هلال بعض الرؤية الانطباعية لما قدمه المشاركون في جلسة حميمية في بيت الثقافة الرحب.