نيتشة ووهم الإنسان والسوبرمان من جديد

الثورة – رشا سلوم:
يرى بعض الباحثين أن النازية لم تكن إلا تطبيقا لفلسفة نيتشه للوصول إلى الإنسان والسوبرمان ..مع ان نيتشه قضى مجنونا وضعيفا ومازالت أوروبا تمضي في وهم فلسفته وترى أن الإنسان الغربي يمثل السوبرمان لايكاد يمضي عام حتى تصدر عنه دراسة جديدة.
وقد وصل هذا الاهتمام إلى الفكر العربي وعمل الباحثون على تشريح نظريته من هذه الأبحاث كتاب (ظلال نيتشه)، تأليف: د. منال إسماعيل مرعي.
ترى المؤلفة أن فلسفة نيتشه تعد واحدة من الفلسفات الجديرة بالاهتمام والدراسة بوصفها تجربة فكرية خاصة. أرادت فتح النوافذ المغلقة في إطار فهم جديد للحقيقة، وتطويع لغوي رمزي واستعاري لها، لتقديمها بوصفها حمّالة أوجه، ومن ثم تقديم رؤية تسعى إلى الخروج من قوقعة المألوف السائد والتقليدي.
يوضح هذا الكتاب الفلسفة النيتشويه في إطار قراءة المضمر واستنطاقه وتحليل المصرح عنه فيها. وكذلك المنطوق والمسكوت عنه، عبر تتبع ظلالها العربية والغربية.
بيد أنّ تجاوز الإنسان العاديّ الموجود بصفات معيّنة، لا بدّ ويرى محمد كزو في منصة ( معنى ) ان نيتشه يدعو الإنسان لتكسير أصنامه القائمة منذ زمان، فيقترح نيتشه «الوحدة» علاجًا يُعدّ من أحد ركائز فلسفته كذلك، وهي ليست عزلة النّاسك بل عزلة المفكّر الذي يُعتبر من النّاس يخالط أفكارهم ولا ينسحب منها أبدًا، وحدَتُه علاجًا لأمراض النّاس، حلًّا يأتي به حسب استطاعته للخروج بالإنسان من مرتبة البشر إلى مرتبة الإنسان الأعلى، يقول زرادشت: «فرّ إلى وحدتك إنّك كنت تقطن قريبًا جدًّا من الصّغار والحقيرين، فرّ من انتقامهم الخفيّ، إنّهم رغبة انتقام ولا شيء غير رغبة انتقام مستعرّ ضدّك» وتلك الوحدة لابدّ لها من صديق، لكي تنضج الأفكار ولن يكون سوى الأنا المؤنس الحقيقيّ والصّديق الحقيقيّ، يقول زرادشت: «أنا وأنايَ في جدال ساخن لا ينقطع»

في هذا المعترك تدور سُلطة الخير والشّرّ، وهي سُلطة قويّة كما قلنا، هي سُلطة نسبيّة لا حدود لها، فالخير عند شخص ربّما يكون شرًّا عند آخر والعكس صحيح، فثقافة الإنسان هي التي ابتدعت له الخير والشّرّ، لم يجدهما ولم يوح إليه بهما، فصارت القيم تتغيّر من زمن لآخر ومن شعب لآخر، وهكذا حتى تحوّل مفهوم كلّ شيء، وضاعت وجهة الإنسانيّة، و«مازالت تفتقر إلى هدف»، فيصعب حتّى التّفريق بين الأنا والأنتَ، أو بمعنى آخر، استقلاليّتهما، فدائمًا ما يهرول الإنسان نحو الأنتَ وينسى نفسه،ع وهو ما يشرح لنا بجلاء سُلطة وقوّة الموروث، فــ «الأنتَ أقدم عهدًا من الأنا، والأنتَ قد كُرّست كقداسة، أما الأنا فلم يُكتب لها ذلك بعد»؛ رمزيّة نيتشه قويّة هنا أيضًا، بحيث يحاول الوصول إلى فكرة مفادها: إنّ الإنسان لا يطيق نفسه، ولا يثق فيها بما فيه الكفاية، بل يحبّ العقل الجمعيّ ويهنأ له، فلا يجب عليه أن يخرج عن المسار المحدّد الذي يحكُم منذ زمان بعيد: إنّه نوع من النّفاق والكذب، فينصح زرادشت الإنسان قائلًا: «ليكن المستقبل وما هو أبعد علّة يومك الذي تحيا: لتحبّ في صديقك الإنسان الأعلى الذي هو علّة وجودك»

كان الاعتزال الفكريّ وما يزال، خطيئة في نظر العامّة، ولن يكون من السّهل سلوك طريق آخر غير هذا المسطّر سابقًا، وكلّ محاولة للخروج من هذه الرّبقة سيصاحبها ألم ووجع منشؤه الضّمير نفسه: الأنتَ، هو المحاسِب الآمر النّاهي الذي لا يتسامح أبدًا.

ولِتجاوز المعضلة يقترح نيتشه نصائح أخلاقيّة، من قبيل عدم الإساءة إلى الظّالم حتّى يكتوي بنار فعلته، ومحاولة الابتعاد عن ردّ الفعل السّريع، ومع إنّها نصائح غاية في المثاليّة إلّا أنّ نيتشه يسعى لكي يساعد الإنسان على الوصول إلى المرتبة العُليا التي أراد أن تعمّ العالَم. وأيضًا ينصح بعدم الخوف من الموت ونبذ الحياة، بل يجب مواجهة المصير المحتوم لكلّ كائن حيّ من البشر، يقول زرادشت: «هكذا أريد لنفسي أن أموت كي تُحبّوا الأرض من أجلي، أي أصدقائي، وترابًا أريد أن أستحيل في الأرض كي أعرف الرّاحة داخل الحضن الذي أنجبني»

لِيختم الجزء الأوّل من كتابه هكذا تكلم زرادشت على النّسق نفسه متحدّثًا عن «الفضيلة الواهبة»، باعتبارها شيئًا ثمينًا ونادرًا، الفضيلة من أجل الفضيلة دون انتظار مكافأة من أيّ نوع، ويصفها نيتشه بأنّها «أرقى الفضائل»، هي أنانيّة في حدّ ذاتها لكنّها أنانيّة إيجابيّة تُناقض الأنانيّة السّلبيّة، وترتقي بالإنسان إلى المراتب العُليا إلى الإنسان الأعلى، يقول زرادشت: «استعارات هي كلّ أسماء الخير والشّرّ، لا تُعَبَّر بكلام، بل تومئ فقط»، ناصحًا النًاس بالوفاء للحياة وتغليب المحبّة والمعرفة لخدمتها، فيصرّح بموت الأصنام العنيدة وتكسيرها، لكي يحيى الإنسان الجديد ذاك الإنسان الأعلى، بقوله: «لقد ماتت كلّ الآلهة، والآن تريد أن يحيا الإنسان الأعلى».

كتاب ظلال نيتشة صدر عن الهيئة العامة السورية للكتاب بدمشق

آخر الأخبار
الاتصالات تبحث التعاون الرقمي والتقني مع وفد التجارة الأردني في بيلدكس.. شركات تعود من الغربة لتبني من جديد  رؤى لتطوير صناعة النسيج ومقومات نجاحه    خربوطلي لـ"الثورة": سوريا تبقى الشاغل لدول العالم لفرصها الاستثمارية  الشيباني: بوادر الاستثمارات الضخمة بدأت وستنعكس إيجاباً على المواطن شركات جزائرية في حسياء الصناعية بشائر خير للأسواق السورية..  تفاهمات ولجان لعلاقات صناعية و تجارية متقدمة مع الأردن    وقف استيراد الخضار  العقاد لـ"الثورة": بلدنا زراعي يصدّر ولا يستورد    تشخيص واقع مزارع الفستق الحلبي ودعوات لدعم المزارعين  محاضرة عن واقع مياه الشرب في حلب .. آفاق وتحديات    ميليباند: الاحتياجات في سوريا هائلة والقيادة الجديدة تريد الاستقرار للمنطقة تشغيل محطة مياه المريعية النموذجية باستطاعة 160 م3/سا خازن غرفة تجارة الريف : نسعى إلى تبسيط الإجراءات تسويق 242 طناً من القمح في حمص  اغتيال ضابط شرطة في جرابلس بعبوة ناسفة استهدفت سيارته وأصابت أسرته  "المالية" والمنافذ البرية والبحرية تناقشان التنسيق المالي والجمركي  تناقص كبير في نسبة تخزين سدود حمص تقييم أضرار المباني الخاصة تمهيداً لإعمارها في درعا  توزيع قرطاسية على 1300 طالب وطالبة في كويا  العملات المشفرة إلى أين؟.. تعاملات في الظل عبر الانترنت ومن دون مرجعية "المركزي"