الاختراق الثقافي يجدد أساليبه

الملحق الثقافي- رفاه الدروبي:
سؤال يراود الذهن كلما قرأنا أو اطلعنا على أساليب أميركا والدول الغربية: هل الاختراق الثقافي يُجدِّد أساليبه الخبيثة المستخدمة الآن بمثل الاختراق ذاته؟
«الملحق الثقافي» توجَّه إلى قادة الرأي من الأدباء والباحثين كي يدلوا بآرائهم ويُعرّوا المشكلة من كافة النواحي الأخلاقية والثقافية والاجتماعية والتعليمية والعلمية.

يستهدف وجودنا
رئيس فرع دمشق لاتحاد الكتَّاب العرب الدكتور إبراهيم زعرور أكَّد أنَّه كان ولازال على يقين أنَّ تناول موضوع الاختراق الثقافي يحتاج إلى حوار مُعمَّق وطويل لأنَّه ليس من الصعوبة بمكان بل من الاستحالة الإحاطة به.
كون هناك مفهوم عام للاختراق، وأيضاً الاختراق الثقافي جزء من الاختراق العام نفسه ويرتبط به كلياً من وجهة نظري وأنَّ الحروب والاحتلال والإرهاب والهيمنة والسيطرة ونهب ثروات الشعوب ومصادرة إرادتها بل ومحاولات اقتلاعها من تاريخها وحضارتها المادية واللاماديه وتراثها وغيره من المعنى ذاته، مُؤكِّداً أنَّ الاختراق الثقافي حاصل من الدول القويَّه للدول الضعيفة لأنَّ الأساس في قوة الدول نفسها نهب الشعوب وثرواتها والتحكم بها وبمصيرها؛ ومن المفيد أن تتصدَّى الأمم والشعوب والدول للسياسات المُتوحِّشة عبر التاريخ بمقاومة الهيمنة والسيطرة ومحاولة التخلص منه بالذهاب للتمسك بالمشروع الوطني والقومي والإنساني والتعامل بموضوعية مع تدفق ثورة المعلومات والتكنولوجيا والتقنيات الدقيقة والذكاء الاصطناعي والنظام الليبرالي الحديث والنيو- ليبرالي والعالم الإلكتروني الافتراضي.
وأكَّد على ضرورة الإفادة منها بما يُعزِّز مشروع الأمم المقاوم والتمسُّك بالانتماء والهوية وباللغة القومية الجامعة مُشكّلةً عمود آلامه والأساس للوصول إلى وحدة آلامه وتكاملها بشرياً وفكرياً وثقافياً وعلمياً ومعرفياً واقتصادياً، وبالتالي التمسُّك بمشروع الأمن القومي العربي حيث يتضمَّن الأمن المائي والغذائي والاقتصادي والحفاظ على هويَّة الأمّة وتعزيز ثقافة الانتماء ويقودنا للذهاب إلى التربية بكل مكوناتها والبيئة والأسرة والمجتمع والأخلاق وتوظيف كل الأفكار الروحية والسياسية والحزبية والأيديولوجيات والعقائد ومن في حكمها لوحدة المجتمع وتكامل الوطن العربي البشري الاقتصادي الثقافي، مُنوِّهاً بأن تكون هناك إجراءات وبرامج عمل على الصعيد الوطني والقومي شعبياً وحكومياً وأن يُشكِّل أهل الفكر والأدب والعلم والثقافة الطليعة الأساسية بالارتقاء المجتمعي وتعميق الوعي والشعور الحقيقي بضرورة الانتماء وترجمته بكل الأجناس الأدبية وكافة وسائل الإعلام والمؤسسات الحكوميّة والأهلية مالم ننجح في التصدي للاختراق المتوحش على كافة المستويات بدءاً من إعادة النظر كلياً وجذرياً بأسماء الأماكن والمطاعم والمقاهي والمحال على تعددها وتنوعها دون استقاء لأحد أبداً.
كما طرح الدكتور زعرور تساؤلاً في السياق ذاته يبدو مشروعاً: هل هناك بلد أجنبي يطلق أسماء عربية على ماذكرت، أو مثل آخر: لماذا أغلب الناس يكتبون على التواصل الاجتماعي بكل منظوماته الأسماء باللغة الأجنبية؟ واعتبرها ظاهرة خطيرة جداً على مستقبل وحياة الأجيال وحتى إذا أردنا أن نأخذ من العالم المُسمَّى متحضِّراً مايتوافق مع هويتَّنا وثقافتنا ويُعزِّز ويُعمِّق تجذّرنا في الوطن وأيّ إنسان بطبيعة الحال يريد لبلده أن يتطوَّر ويتحضَّر ويحدث ويعتصر التطور العالمي لكن لم ولن يكون على حساب أو لصالح إخراجنا من دورنا الحضاري والتاريخي والثقافي وغيره.. ونحن نحترم ثقافة الآخرين وعليهم أيضاً احترام ثقافتنا وخصوصيتنا الوطنية والقومية، وأن يكون التأثير متبادلاً لفائدة مجتمعاتنا ومستقبل الأجيال القادمة بمزيد من التحصين والمقاومة وتعزيز ثقافة الانتماء وضرورتها الحياتية وعدم السماح بالمزيد من الاختراق الثقافي ومواصلة مقاومة المشروع الصهيو- أميركي الغربي لأنَّه يستهدف وجودنا بالكامل.

مبرمج ومدروس
بدوره الأديب عيسى إسماعيل رأى بأنَّه ازداد الاختراق الثقافي أو ما اعتدنا تسميته بالغزو الثقافي، في عصر تكنولوجيا الاتصالات ولاسيما وسائط التواصل الاجتماعي بأشكالها المتنوعة والعديدة، لأنَّه يستخدم وبشكل مدروس ومبرمج بالتقنيات الحديثة نفسها لبثِّ أفكار ومفاهيم ونظريات تُمكِّنه من السيطرة على عقول الناس في الدول المستهدفة دول العالم الثالث للسيطرة عليها فكرياً ثم ثقافياً من قبل الدول الغنية أميركا وأوروبا الغربية والصهيونية العالمية.
بينما أشار الأديب اسماعيل بأنَّ تسويق الأفلام والمسرحيات والكتب والأخبار، عبر وسائل التواصل والفضائيات أصبح سهلاً، وعبرها تسوّق الدول الغربية وأميركا أفكارها وتشجع الجريمة والجنس والسرقة وكل الجرائم الأخلاقية فتسهم بتفكيك المجتمع المستهدف ليسهل استلابه و انصياعه للدول الاستعمارية، مشيراً أنَّها تبثُّ عبر الوسائل نفسها أهدافها من جهة أخرى، وأهمّها التشكيك بأصل الشعوب من خلال تشويه تاريخها وحاضرها وإثارة الفتن الدينية والإثنية وإذكاء الصراعات السياسية عبر دعم العملاء الموالين للغرب ومحاولة محو التراث الفكري و الثقافي للبلدان المستهدفة وسرقة التراث المادي من خلال البعثات العلمية والأقارب ترسل مجاناً للتنقيب عن الآثار والتشجيع على محاربة اللغات الوطنية الأصلية و استقبال المناهج في الجامعات بلغات الدول الأوربية مثل اللغات الإنكليزية و الفرنسية والألمانية وغيرها.

البنية الثقافية والاجتماعية
بدورها الباحثة إيمان النايف رأت أنَّ الاختراق أدّى إلى انعدام الهوية الثقافية إلى جانب ضعف الانتماء لدى جيل شباب المفروض أن يكون حامل الهوية والهمّ وراية التطور والبناء المجتمعي فضيَّع البوصلة للقيم نفسها كما ضعف لديه الانتماء وأعادته لعدة أسباب أهمّها: شعور النقص تجاه ثقافة الآخر القائمة من الغرب ماسهَّل الاختراق الثقافي لدى الأجيال، وأضافت: إنَّه ساعد المنافذ المعرفية وما أنتجتها الثورة المعرفية العالمية في مجال الإعلام ووسائل الاتصال الرقمي مع التوجهات العالمية لتغيير ثقافة المجتمعات الضعيفة لتغدو ثقافة باهتة تجاه العولمة للسيطرة عليها ثقافياً في المقام الأول قبل أن تكون حرباً عسكرية ما يشعرنا بالأسى نتيجة النجاح في مخططاتها للسيطرة.
على حين بيَّنت أن الاختراق ظهر حتى في المناهج التعليمية وترسَّخ وتعمَّق من خلالها ولم تكن على مستوى ودراية كاملة ووافية ومسؤولة لتنمية الوعي الثقافي والفكري وتعزيز الانتماء والمواطنة لدى الأجيال الصاعدة ولكن سهَّلت ولم تكن واضحة وسبَّبت فوضى معرفية لديهم وأصبح يبدو في عدة مظاهر وسلوكيات وأخلاقيات، منوهة إلى اختراقها حتى للمرأة والفتيات وباتت المفارقة باديةً في تقليدهم بمظهرهم الغربي والأزياء ما يناقض عاداتنا وتقاليدنا وأعرافنا وأخلاقنا وكان من المفترض الشعور بالإنسانية الطبيعية منها وعكس مظاهر غير لائقة للمرأة من الناحية ذاتها ولا يتوافق مع العادات والتقاليد والأخلاق لمجتمعنا.
كما لفتت بأنَّ حرباً دامت ما ينوف عن العقد بسورية كان مخططاً لها وممنهجة ومنظّمة لاستهداف النسيج الثقافي للشباب وللأجيال فانعدمت لديهم الأصالة المعرفية والثقافية لمجتمعنا ولابدَّ من تعرضهم لاختراق وانحراف نحو فوضى وضياع أهداف سامية نتيجة آثار الحرب وشكلت صادماً لهم لما تعرضوا له من تهجير وفقر، منوِّهة إلى تشتُّت العائلات واعتبرته سبباً للاختراق الثقافي إضافة إلى فقدان معيل العائلة رب الأسرة والعجز أحياناً وانشغالات الأهل «الوالدين» في ظل مراحل الحياة المعيشية الصعبة فانعدمت ضوابط كنا نعيشها وعامل هام وأساسي في وجود بنية ثقافية ومعرفية وأخلاقية ثابتة تجعل الشباب في حالة تحدٍّ وتصدٍّ لأيِّ اختراق سيىء أو سلبي بوجودهم وحياتهم، مشيرةً إلى فقدان الثقة بالقيم الأخلاقية والمجتمعية الحاميَّة وتساند وتحافظ على العائلة والأخلاق ومفاهيم إيجابية للحياة وفقدت الثقة بقيمنا وأخلاقنا، ولن تقتصر على الأجيال الشابة بل تعدتها إلى الفئات العمرية الأكبر فأصيبوا بالإحباط ما أدّى إلى الاستسهال بالقيم الإيجابية من قناعات مرسّخة في العلم والمعرفة للتطوير والتحسين فسادت القيم المادية الاستهلاكية كما تسبَّب بتعويم أخلاق المجتمع والابتعاد عن القيم العليا وليست العلم والمعرفة القيميَّة بل أصبحت المادة وما تملك من أموال للقيم وما تثبت وجودك وما تستطيع تحقيقه بحياتك.
ثم ختمت حديثها عن تخلخل الأسر والحفاظ على البنية المجتمعية نتيجة الفقر والتهجير إلى المؤسسات التعليمية والعلمية والثقافية الدينية و الإعلامية خلال سنوات الحرب وكانت مغيبة في وقت كان لابدَّ أن يكون لها دور على نحو شامل وناجح في المحافظة على خصوصيات ثقافية لها وتغذيها بما يخدم توجهات المجتمع والدولة ولم تستطع القيام بدورها كاملاً للحفاظ على الأجيال والبنية الثقافية وحمايتها من الأخطار.        

العدد 1151 –  11-7-2023  

آخر الأخبار
بأغلبية ساحقة.. الجمعية العامة تتبنى إعلاناً حول حل الدولتين توافق دولي في مجلس الأمن على دعم التعاون السوري – الدولي لإنهاء ملف الأسلحة الكيميائية اللجنة العليا للانتخابات: إغلاق باب الترشح وإعلان الأسماء الأولية قريباً الرئيس الشرع يستقبل الأدميرال تشارلز برادلي كوبر قائد القيادة المركزية الأمريكية دخول 31 شاحنة مساعدات إنسانية أردنية قطرية عبر مركز نصيب ترحيل القمامة والركام من شوارع طفس "التربية والتعليم": قبول شرطي للعائدين من الخارج وزيرة الشؤون الاجتماعية: مذكرة التفاهم مع الحبتور تستهدف ذوي الإعاقة وإصابات الحرب مهرجان «صنع في سوريا» في الزبداني… منصة لدعم المنتج المحلي وتخفيف الأعباء المعيشية خطوات صغيرة وأثر كبير.. أطفال المزة  ينشرون ثقافة النظافة محافظ حماة يفتتح "المضافة العربية" لتعزيز التواصل مع شيوخ القبائل   " التعاون الخليجي" يجدد إدانته للعدوان الإسرائيلي على الأراضي السورية  البرلمان الأوروبي يدين  منع "إسرائيل " المساعدات عن غزة ويدعو لفتح المعابر  تفاقم أزمة المواصلات في ريف القرداحة  منحة نفطية سعودية لسوريا… خطوة لتعزيز الاقتصاد والعلاقات الثنائية  انطلاقة جديدة لاتحاد المبارزة  نتائج جيدة لطاولتنا عربياً  اتحاد الطائرة يستكمل منافسات الدوري التصنيفي الذكاء الاصطناعي يصدم ريال مدريد وبرشلونة مفاجأة ألكاراز.. تسريحة شعر خارجة عن المألوف