خميس بن عبيد القطيطي – كاتب من سلطنة عمان:
عندما نمعن النظر في واقع الحال العربي على المستوى الرسمي والشعبي نلحظ التراجعات في ممارسات العمل السياسي والاقتصادي والثقافي العربي ونسقطها على المجالات الأخرى، وبعيدا عن الدخول في الأسباب الكثيرة التي أدت الى تلك التراجعات نجد أن المشكلة الحقيقية لدينا في مستوى حركة الثقافة القومية ودورها في تغذية معركة الوعي العربي وخطها البياني المتذبذب وهذه الإشكالية للأسف الشديد تتنازعها الكثير من التيارات الفكرية التي تولدت وأريد لها أن تتغذى على حساب الفكرة القومية ومحاولة دس حالة اضطراب فكري مزدوجة بين “الفكرة القومية” و”العقيدة الإسلامية” وهذا بحد ذاته كاف لضرب الفكرة القومية وكأنها تتصارع على حساب العقيدة وهي بلا شك حركة مقصودة منذ زمن ونجحت في تحقيق اغراضها دون انتباه لمقاصدها، كما أن الردة على الحركة القومية كرست أيضا مشكلات أخرى ضاعفت من حجم التراجعات وهذه الردة أيضا جاءت نتيجة حرب موجهة استهدفت الفكرة القومية من قبل جهات دولية استعمارية كانت الفكرة القومية عدوها اللدود الأول والشرس والتي عززت صلابة الفكر القومي في معركة الوعي طوال العقود الماضية التي ناضل فيها الأجداد العرب للتخلص من الاستعمار وتحقق لهم ذلك المشروع العظيم .
أيقن أعداء الأمة أن ضرب الفكرة القومية العربية ضرورة قصوى يحقق لهم حالة تقدم في حركة الصراع لمحاولة إعادة الاستعمار بثوب جديد أقل تكلفة من المواجهة العسكرية والاحتلال المباشر فوجهت الثقافة العربية منذ ما بعد حرب اكتوبر-تشرين ١٩٧٣م لضرب الفكر القومي العربي وبالفعل وجدوا مساحة جيدة في الأنظمة العربية ونوعية بعض القيادات التي تؤمن بالولايات المتحدة والصهيونية فانهارت الكثير من عوامل الفكرة القومية تحت ضربات حركة ارتدادية رسمية عندما حدث أول سقوط لها في اتفاقية كامب ديفيد التي ضربت العرب في مقتل وضربت الحركة القومية وانفضت عرى الوحدة العربية واستمرت في حالة تذبذب وانكفاء في دائرة القطرية فاستفاد الاستعمار من تلك الظروف التي أسسها في الوطن العربي ليظل العرب من انقسام إلى تشرذم ثم تطور إلى مواجهات عربية لم تكن معروفة قبل ذلك .
الفهم العميق للفكرة القومية ضرورة قصوى وعدم الخلط بين الفكرة القومية والعقيدة الإسلامية ؛ فكلاهما يعزز الآخر ولا يتناقض معه، وما دمر الأمة إلا مثل تلك الأفكار التي فصلت بين القومية العربية والإسلامي عن قصد أو غير فهم والرسول جاء بلسان عربي مبين ومن العرب والقرآن بلسان عربي عززته تلك العقيدة السماوية، وبالتالي فإن القومية العربية لم تكن يوما تتعارض مع الإسلام الحنيف أو مختلف الأديان الأخرى وما يروج له بعض العرب عن جهل أو تعمد ليس له إلا هدف واحد ضرب الفكرة القومية العربية.
الدعوة إلى رفض الفكرة القومية هي ممارسة الجهل المركب ومحاولة تمريره ادعاءات مختلفة لتمييع الفكرة باعتبار أن من نادى بالفكرة القومية كانوا في دول غربية ولكن تلك الفئة كانت نخبة عربية دارسة مثقفة هناك ولم تتراجع في حركة النضال والدفاع عن حياض هذه الجغرافيا العربية بل ساهمت بالكثير من التضحيات في سبيل الأرض والوطن، كما أن هناك من يحاول دس فكرة الاشتراكية كتهمة للقومية العربية ويضع من التوصيفات التي يحاول تمريرها من أجل الإساءة إلى الفكرة القومية العربية التي تمثل الرابطة المصيرية الجامعة للأمة العربية وفقا لمشتركات اللغة والتاريخ والجغرافيا والثقافة والعادات والتقاليد المشتركة التي تشكل هوية المجتمع العربي وتضبط ايقاعه وتجعل آلامه وأفراحه واحدة .
الأمم تفخر بقوميتها ويجب علينا نحن العرب أن نعلي من شأن قوميتنا العربية وعدم التنكر لها فهذه تمثل ضربة استباقية في معركة الوعي التي يجب الانتباه لها للانطلاق في بناء مشروعنا العربي بدلا من حالة التيه التي أكملت نصف قرن من الزمان ويجب أن نستدركها قبل فوات الاوان.
* المقال ينشر بالتزامن مع صحيفة الوطن العمانية ورأي اليوم