الملحق الثقافي- ياسر صيرفي:
لا شكَّ في أنّنا عندنا نسابقُ الزمنَ التكنولوجيَّ كتابيّاً – بما يحويه من صورٍ ومُلصقاتٍ جاهزةٍ – نشعرُ بالبرودِ أمامَ الكتابةِ التي بدأتْ تخبو وتفقدُ بريقَها شيئا فشيئا على الرّغم من أنّها أبهرتْ في فترةٍ من الفَتَراتِ سابقا، لكن مهما يكنْ من أمرِ طغيانِ الكتاباتِ الجاهزةِ أو انتصارِ ثقافةِ الصورةِ إلى حدٍّ ما ،لابدَّ من الاعترافِ بأنّ الكتابةَ هي العمودُ الفِقريُّ والحَجَرُ الأساسُ لِنجاحِ الأُمَمِ وتطوُّرِها؛ فمعظمُ الحضاراتِ السَّابقةِ انطلقتْ من مَيدانِ الكتابةِ، وانتقلتْ من جيلٍ إلى تاليهِ عن طريقِ الكتابةِ، فهي مرآةُ التاريخِ الحضاريِّ للأممِ، وديوانُ أفكارِها ومشاعرِها، وتأريخٌ لتاريخِها يحفظُه من الضّياعِ.
وأمامَ هذهِ الثورةِ التقنيَّةِ للذَّكاءِ الاصطناعيِّ والتطوّرِ التّقنيِّ وما يماشيهما من سلطةِ المُتحكّمينَ بوسائلِ الاتّصالِ الحديثةِ – معَ تَقَهْقُرِ الكتابةِ والقراءةِ معاً – كانَ لابدَّ من توجيهِ البوصلةِ من جديدٍ نحوَ الجيلِ الصَّاعدِ؛ لنغرسَ فيه حبَّ الكتابةِ والقراءةِ، فكما تجوعُ الأجسادُ وتتطلّبُ الغذاءَ، فإنَّ الأرواحَ تحتاجُ وبِنَهَمٍ لغذاءٍ، ولعلَّ أهمَّ غذاءٍ لها هوَ الكتابةُ والقراءةُ، فالكتابةُ وما يليها من منتوجاتٍ مرآةٌ للرّوحِ ووسيلةٌ لتفريغِ المشاعرِ الجيّاشةِ في النفوسِ في زمنٍ باتتِ النفوسُ فيه مُتعبةً هشّةً نتيجةً لتحدّياتِ الحياةِ، وهنا تصدقُ مقولةُ «الألمِ العبقريِّ» التي تقرُّ بأنَّ «الكتابة المبدعة تُولَدُ من رَحِمِ الألمِ».
وإذا كانَ المجتمعُ بمَن فيه قد شاخَ وتعبَ جسداً، فعليه ألَّا يشيخَ إبداعاً وفِكراً، وهنا ينبغي أن نعترفَ بأنَّ الكتابةَ لها جدوًى وإن ضعفَتْ أو أفَلَتْ شمسُها ظاهريًّا؛ لأنّها تعبيرٌ حقيقيٌّ عن الذاتِ بعيداً عن القوالبِ الجاهزةِ في وسائلِ التّواصلِ الحديثةِ، فنحنُ إذْ نَحِيدُ عن الكتابةِ تجاهَ المُلصقِ الجاهزِ نكونُ كمَن يرسمُ الورودَ ويعجزُ عن تجسيدِ عبقِها.
العدد 1156 – 22-8-2023