الملحق الثقافي- لينـــــــا كيـــــــــلاني:
يسألني محدِّثي ذلك الشاعر، والأديب، والصّحفي صافي القلب، ذكي اللمحات، فيقول: لماذا نكتب؟ وما الجدوى من الكتابة؟.. فأضحك وأقول: كنت أسأل نفسي هذا السؤال.. كررته مراراً حتى قبضت على المعنى العميق له.. إنه الخلق يا محدِّثي، والكاتب فوق الورق عبر تلك الرحلة السحرية المدهشة في عالم الأدب يتحول إلى إله وهمي يشكل حياةً خيالية، فيخلق أناساً، ويبني أمكنة، ويبتكر أحداثاً.. يتحكم بمصائر أبطاله الذين يولدون فوق الصفحات، بينما هو يرسم لهم أقدارهم، ولو أنهم في أحيانٍ كثيرة كشخصيات ملحمية تعيش، وتتنفس، يتمردون عليه لتسير أحداث الرواية والقصة تبعاً لنسيج الشخصية التي تشكلوا عليها لاتبعاً لما أراده الكاتب لهم عندما تحركوا في عوالم الخيال.
هذا إذا كنا نتحدث عن الكتابة الأدبية التي يزهو بها الكاتب، والأديب حتى ليغدو أحياناً كطاووس يفرد ريشاته البديعة تحت أشعة الشمس لتبدو أكثر بريقاً، وجمالاً، فهو الذي خلق هؤلاء الأبطال عبر مسار روايته، وهو الذي ألصق بهم أسماءهم التي اختارها لهم، وهو الذي يرسم لهم الخطوات حتى يمشوا نحو مصائرهم حسبما تقتضي الغاية من قصصهم التي انبثقت من فكرة جسّدها الكاتب على الورق، وهو يمتلك السيطرة الكاملة على المشهد، والأحداث، كما الشخصيات التي يجعلها تحب، وتكره، تعاني، وتنجح، تعيش مغامرات، وتواجه تحديات.
خلق من الخيال، والإبداع يرضي غرور الكاتب وهو يستخدم لغته، وأسلوبه الأدبي ليحكي قصة تعكس رؤيته الخاصة للحياة، وتترك انطباعاً عميقاً لدى القارئ.. قد يكون الإله الرحيم، المتعاطف، والحكيم الذي يعيد الحياة للشخصيات
لأنه يشعر بما تحس به، فيحدث تغييراً في مسار حياتها بتحولاتٍ درامية، وتدفق منطقي للأحداث، وتطوراتٍ تحمل المعنى والرمزية، وهو يجسد صراعاتها الداخلية التي تمنحها الفرصة للنمو، والتطور، ويصوغ الكلمات وفقاً لأجواء القصة، ومزاجها.
2
إلا أن الكتابة عموماً هي أفق واسع الأمداء، ولا يمكن تأطيرها بالنص الأدبي فقط، والكتابة الإبداعية، إذ منها الصحفية، والأخرى التقنية، وكذلك الاكاديمية، والتعليمية، وغيرها، وقد أضيفت إليها المدونات في العصر الحديث وهي الحديث
بين الناس، وهي جميعاً وسيلة للثقافة، ولنشر المعرفة والعلم، والمشاركة في الحوار، إنها المجال الأرحب لنقل المعلومات، والأفكار إلى الآخرين، وتبادل الخبرات، وتلعب دوراً هاماً في توسيع آفاق الفكر، وتعزيز الفهم للعالم من حولنا. وسواء أكان ذلك في مقالة أدبية أو صحفية، أو في تقرير فني، أو بحث أكاديمي، أو دراسة نقدية، والأمثلة كثيرة، فالهدف منها واحد، وواضح. وبالرغم من التقدم التكنولوجي الذي نعيشه لا تزال الكتابة تحتل مكانة هامة في حياتنا، فهي ليست مجرد وسيلة للتواصل، ونقل المعلومات، بل إنها تمتلك قوة خاصة في نقل الأفكار، والتأثير، والتغيير، سواء أكانت من كاتب محترف، أو من شخص عادي يمتلك الجرأة ليعبر عن نفسه بالشكل الذي يريد.
العدد 1156 – 22-8-2023