توق خفي للبقاء

الملحق الثقافي- خالد حاج عثمان:
الحرف والكتابة قديمان قدم الإنسان…بدأت صورةً..شكلا رموزاً ..حفرت على جدران الكهوف والمغاور التي سكنت من قبل الإنسان الأول..رسمت لتوثق..لتخبر وتشيد بأفعاله وبطولاته وأمجاده ولو كانت مجرد ..حظوة صيد فريسة أو الانتصار وقهر وحش..أو سوى ذلك.. ولقد فيما بعد الوثائق الأولى للبشرية في نضالها مع قوى الطبيعة وغيرها… تطورت الكتابة على مر العصور ولم تبق حبيسة الكهوف والمغاور وتجليات الخوف أو الخوف أو نشوة الانتصار..فحسب بل غدت وسيلة إبداعية وإنسانية يعبر الإنسان عامة والمبدع « شاعراً..قاصاً..مسرحياً..روائياً..إعلامياً..موسيقياً..أو حتى شخصاً عادياً متابعاً للشأن الثقافي..أو مثقفاً… والسؤال الذي يلح على هؤلاء وعلى غيرهم: لماذا نكتب؟ .. ولسان حالي أجيب..» لأن هناك شيئاً يلح علي …لأن أخرجه من ربقة ذاتي إلى العلن تراني أكتب … ولأن هناك نبعاً من الحب يحفر مساربه في روحي… ويريد أن يروي البشر…تجدني أكتب..وحيث إنّ هناك وليداً يتشكل ويترعرع في رحم لغتي وأبجديتي وقد اكتمل أبصرني أكتب….»لماذا أكتب..» سؤال ملحقنا ..حملناه إلى عدد من المبدعين… في اللاذقية وجبلة…شعراء روائيين قاصين..إعلاميين..ومثقفين مساهمين في الثقافة في المجتمع… وكان الاستطلاع الآتي:
  الكتابة..هي التوق الخفي للبقاء.. «ملك حاج عبيد» كاتبة رواية وقصة .. تقول: الكتابة هي رغبة الإنسان في التعبير عن ذاته عند إحساسه بالامتلاء والقدرة على العطاء وهي توقنا الخفي للبقاء وخوفنا من الموت والنسيان، وهي المعنى في مواجهة عبث الوجود والشعور بالضياع كما أنها الشهادة على العصر الذي عشنا فيه وتفاعلنا معه وقلنا كلمتنا في أحداثه وظننا أننا قادرون على التأثير فيه. عندما تكتب تحلق في عالم هو من إبداعك وخيالك تقيم صلة بينك وبين أبطال قصصك تعيش في دواخلهم تناقشهم فقد توافقهم وقد تخالفهم، تغير وتبدل في الأحداث وردود الأفعال حتى تصل إلى مرحلة الرضا النسبي فلا يوجد رضى كامل عما تكتب والتغيير يحدث حتى لحظة دفعك ما تكتب للنشر.. الكتابة مهنة شاقة ولكنها ممتعة أعمالي الأدبية الخروج من دائرة الانتظار رواية دفاتر البحر – رواية العصفور المهاجر. رواية قال البحر- مجموعة قصصية الغرباء. – حكايات الليل والنهار. – البستان. – غربة ونساء. – العاصفة – حكايات جدتي سلسلة قصصية للأطفال قمر الزمان – مجموعة قصصية للأطفال.
  نكتب ليصرخ الصمت في أعماقنا…
«امتثال أحمد» موجهة تربوية شاعرة وكاتبة أغان.. أجابت عن سؤالنا: ..»نكتب ليصرخ الصمت في أعماقنا….. حيث صارت الدنيا استعماراً له ظفر وناب ……..
نكتب ليعانق نهجنا جناح نسر وخيوط شمس…. هي بعض وهجنا نرتقي به فنشربه نعمى وتلبسه رداء ….. نكتب لتقول الكلمة ذاتها وتاريخها … وتكبر بحجم الوطن بحجم الرجاء….. وتصير بحجم الهم الذي صار داء….. فلا نريدها كحديد صدىء خرساء….. ونرفضها في سوق النخاسة جارية عمياء…. نرفضها لحذاء الأمير طلاء …. نكتب كي لا ننسى…… نكتب للأجيال … نكتب عن براءة الطفولة التي اغتيلت …. نكتب عن التربة التي فجعت وروت بنجيع الشهداء ….. عن الأرض التي ذبحت واغتسلت بنهر دموع ونهر دماء ….. نكتب لتعانق المعرفة الوعي ففي عناقهما خلق نبض جديد وبعث للحياة ….. نكتب ونكتب ونكتب لتصير الكلمات سطراً والسطور صفحات …… والصفحات كتباً تساعدنا على أن نكون أطهر نفساً وأكثر علواً وارتقاء …… نكتب لنكون رسلاً للفكر الحر المسور بألق النجاح ورسلاً للإشعاع المسرج بزيت الإبداع ….. ومن عطاءات العقول الملهمة نعطي قبساً فقبسا كي يزهو الفكر ويكون للكلمة طريق إلى المجرة ….. ويستوي التاريخ والشهب على القمم سواء …… نكتب ليطلع قمر من أفق الصحراء ويسكب عليها وهجا من نور أبيض وضاء….. نكتب ربما نسعد نفساً وتندى غمامة زرقاء…. بعض سحبها شوق وبعضها عطر وماء….. نكتب ليسطع فجر منور بالبشارة مؤذن بالحق الذي يأتي به الصبح أبلج ناصعاً كآية تنزل بها الوحي الكريم من رب السماء..
  أكتب لنفسي..لوطني والحياة..
« خديجة شمّا» شاعرة أكتب لظروف يمر بها الوطن الأهل .. أصوغ الحزن والوجع وكل ما يكابده الإنسان ويحياه أكتب لما أمر به من ظروف.. ألتقط نقطة ضوء تمر من نافذتي أعبر بها إلى الضياء والأمل … فيخرج حرفاً به الحياة والجمال يستمتع به ويحبه كل من يتابعه أكتب لنفسي أعيش معها ومع حروفي هي أنا ونافذة عشقي لكل حرف أخطه…
  الكتابة تطهير للروح والوجدان…. الشاعر»سهيل أحمد درويش « له ديوان شعر بعنوان(عشق)..:»أكتب للطهارة، طهارة الروح والوجدان، لترقص روحي على إيقاع الكلمة الخالد، فالكتابة خلود، والكلمة محبة، والكلمة إيناع الروح على ضفاف النفس، والكلمة سبر لأغوار عميقة. أكتب لترتاح نفسي من متاعب وضجيج الحياة والكتابة مرآة للقلب شأنها شأن العين … أكتب للإنسان لأن المشاعر الإنسانية شبيهة الفجر والبحر والقمر. أكتب للأرض، أرض الوطن حيث الطهارة بأسمى معانيها للحب، للبشر، لله الكتابة كلمة، والكلمة محبة، والكلمة قرآن وإنجيل. الله كلمة أكتب للبحر فيرقص، للورد فيغمرني عشقاً الكتابة فعل شعوري عالٍ، إنها وحي ونور ….
  الكتابة حياة للإنسان ثانية… «الناقدة رولا علي سلوم»: لماذا نكتب ؟؟؟ …. نكتب عندما تأتي الكتابة ثمرةً للقراءة وللتجارب وللخبرات، تكون الكتابة عندها حياةً ثانية للإنسان .. الكتابة فعلٌ خلاقٌ، تسمو بالروح وبالعقل ..
الكتابة ثورةٌ على السكون، وبعثٌ نحو التجديد والتغيير .. والكتابة أيضاً تفاعلات العقل والفكر مع القلب والروح .. وقودها الرغبة والمحبة، فلا كتابة من غير محبة صادقة .. والكتابة صديقة القلم والورق، هما مناخها الجميل، ورفيقاها المفضلان .. والكتابة غريبةٌ وحيدةٌ مالم تجد قارئاً تواكب روحه معانيها، وعيناً تغازل حروفها .. إنها تزهو بقارئها المتبّصر، وماقيمة الحياة إن لم ندوّن كلماتنا على الورق ؟؟!! الكتابة حافظة لكل شيء جميل نعيشه .. نحن نكتب.. إذاً نحن موجودون في هذه الحياة .. الكتابة حياة ووجود، فعلٌ وتأثير، حبٌ واستمرار .. الكتابة تلك الصدمة الخفيفة التي تلامس عقولنا، وذاك المسّ الجميل الذي يحرك أقلامنا .. إنها مجال الفضفضة، وتفريغ المكبوت في دواخلنا .. إنها المخلص للفكر من أعبائه، وما يحمله من ثقل أفكار يحتاج لتفريغها، ومن ثم ملئها من جديد .. إنها الذاكرة الجميلة أو نيغاتيف الذاكرة الجميلة .. إنها صدى الصوت الذي يملأ الآفاق …
  نكتب لنثبت وجودنا الإنساني والإبداعي: «د.زهير إبراهيم سعّود»، حائز أربع براءات تقدير وجائزة الباسل للبحوث العلمية، لديّ كتب وأبحاث في الآداب والنقد الأدبي واللسانيات، من أهمها كتاب فن القصة من الملحمة إلى الومضة، ومنعكسات السلوك العاطفي، واللغة العادية واللغة الأصلية، ومفهوم الثنائية اللغوية، وبحث في مفهوم البياض السردي وشعرية القصة القصيرة جداً.- بالنسبة لسؤالكم: «لماذا نكتب»؟. فقد استوقفني السؤال كثيراً للغوص في مدلولاته وقصده، إذ تطرح صيغته الشمولية تساؤلات حول معنى الكتابة وقيمتها وأشكالها، فالكتابة أولاً وقبل كلّ شيء هي تأكيد إنسانية الناطق بها، وكلّ الكائنات الحيّة تمتلك لغاتها الخاصّة ولسانها الخاص، فما ميّز الإنسان عن الحيوان ليس النطق واللغة الصوتية بل الكتابة واللغة الأصلية التي تقوم على مركزية الكتابة، وها هنا تتضح أهمية التمييز بين لغة الصوت ولغة الكتابة، وكما أن هناك تنوعاً في المفردات اللفظية التي تعطي الترادف وازدواجية اللغة، فإن الكتابة وبالأخص في عصرنا الراهن هي خارج سياق تنوعها السيموطيقي لقد كسرت حواجز المعجم الرمزي لتتحول مع النصوص الأدبية بحدّ ذاتها إلى معاجم خاصّة في التأويل وتأجيل المعنى، والأمر تطور كثيراً مع تفكيكية جاك ديريدا الذي تمرّد بإرجاء المعنى عن هرمسية الذرائعي شارل بيرس وتعدد العلامة في غلوسيماتيك لويس هلمسليف، حيث لا يستقر المعنى في حركته اللولبية لبلوغ مبتغاه، وكل ذلك صنعته الكتابة بل أكثر من هذا بكثير، فلا يمكن المرور على عدم تحديد مفهوم الكتابة دون هذا الشرح التفصيلي المكثّف لمعنى الكتابة، والذي يجعلنا أكثر دقّة في تحديد أسباب الكتابة لأي شكل من أشكالها، فنحن نكتب لإثبات وجودنا الإنساني وتأكيد تفرّدنا في سلًم التطور الاجتماعي الحياتي وما يشمله ذلك من أطوار إبداعية ومعرفية، فالكتابة سبيل التواصل والإبلاغ وإظهار الجوانب الإبداعية للفنون الإنسانية بشتّى أصنافها وأشكالها، وهو أمر تعجز عن القيام به الصوتيات التي تذوب في تعاريج الأذن وذرات الغبار، فالكتابة سبيلنا للحفاظ على ثقافتنا الحضارية وتأكيد خلودنا، كما أراد جلجامش من سور أور العظيم، ولولا الكتابة لم نعرف نيتشه أو كانط أو نيوتن، بل لولا الكتابة الموسيقية ضاع بيتهوفن وأقرانه، والتأخر العربي الإسلامي في نهج الكتابة والتدوين جعل الحضارة العربية تدفع ثمن ذلك باهظاً. وتبقى الكتابة متنفس الإنسان..وتجلي وعيه..وبروز إدراكه ذاته..وذات مجتمعه …آماله..وآمال من يعيش بين ظهرانيهم..يتحدث بلسانهم ويكتب لهم ولأجلهم…يرسل رسالته إليهم محملاً إياها رؤاه ورؤيته وبصيرته… والمبدعون مهما تعددت أولويات الهدف من كتاباتهم…فإنها تتقاطع وتتلاقى مكونة جدولاً جارياً ونهراً إنسانياً وإبداعياً خالداً…
                     

العدد 1156 –  22-8-2023  

آخر الأخبار
سوريا تشارك في الاجتماع العربي السابع للحد من الكوارث بخطة وطنية دمشق تُعيد رسم خارطة النفوذ..  قراءة في زيارة الشرع إلى روسيا الاتحادية وزير الطوارىء: نحن أبناء المخيّمات..نسعى لإعمار وطنٍ يُبنى بالعدل أوضاع المعتقلين وذوي الضحايا .. محور جولة هيئة العدالة الانتقالية بحلب بعد تحقيق لصحيفة الثورة.. محافظ حلب يحظر المفرقعات تخفيض الأرغفة في الربطة إلى 10 مع بقائها على وزنها وسعرها محافظة حلب تبحث تسهيل إجراءات مجموعات الحج والعمرة  جلسةٌ موسّعةٌ بين الرئيسين الشرع وبوتين لبحث تعزيز التعاون سوريا وروسيا.. شراكةٌ استراتيجيةٌ على أسس السيادة بتقنيات حديثة.. مستشفى الجامعة بحلب يطلق عمليات كيّ القلب الكهربائي بحضور وفد تركي.. جولة على واقع الاستثمار في "الشيخ نجار" بحلب أطباء الطوارئ والعناية المشددة في قلب المأزق الطارئ الصناعات البلاستيكية في حلب تحت ضغط منافسة المستوردة التجربة التركية تبتسم في "دمشق" 110.. رقم الأمل الجديد في منظومة الطوارئ الباحث مضر الأسعد:  نهج الدبلوماسية السورية التوازن في العلاقات 44.2 مليون متابع على مواقع التواصل .. حملة " السويداء منا وفينا" بين الإيجابي والسلبي ملامح العلاقة الجديدة بين سوريا وروسيا لقاء نوعي يجمع وزير الطوارئ وعدد من ذوي الإعاقة لتعزيز التواصل عنف المعلمين.. أثره النفسي على الطلاب وتجارب الأمهات