الثورة – ترجمة ميساء وسوف:
إن انخراط حلف شمال الأطلسي في شرق آسيا، يهدف إلى مواجهة النفوذ الصيني، ويشكل استراتيجية مضللة وربما خطيرة بالنسبة لأعضاء الحلف الأوروبيين.
ومن المحتم أن يؤدي ذلك إلى زيادة التوترات بين الصين وحلف شمال الأطلسي، لأنه ليس لاستراتيجية احتواء الصين أي فوائد ملموسة للأمن الأوروبي، وهي تخدم في الغالب مصالح الولايات المتحدة التي تحاول يائسة الحفاظ على هيمنتها العالمية.
وفي حين أن حلف شمال الأطلسي لا يسعى حالياً إلى تجنيد أعضاء جدد في شرق آسيا، إلا أنه يعمل على إقامة شراكات استراتيجية مع الدول “المماثلة” في المنطقة.
إن دولاً مثل اليابان وكوريا الجنوبية وأستراليا ونيوزيلندا تمر جميعها بعملية التحول من كونها “شركاء عالميين” لحلف الناتو إلى أن تصبح أعضاء في ترتيب ملموس أكثر والذي أطلق عليه الناتو “برامج الشراكة المصممة بشكل فردي”.
في قمة قادة الناتو في تموز 2023 في ليتوانيا، استقبل الأمين العام لحلف الناتو ينس ستولتنبرغ رئيس الوزراء الياباني فوميو كيشيدا، وأخبره أنه “لا يوجد شريك أقرب من اليابان”.
وكخطوة نحو علاقات أمنية أكثر جوهرية، كان حلف شمال الأطلسي يخطط لفتح مكتب اتصال في طوكيو، وهو الأول من نوعه في آسيا. لكن هذه الخطط تم تأجيلها بسبب المخاوف من أنها قد تؤدي إلى تأجيج التوترات بين الناتو والصين.
وقد حذر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون من أن مثل هذه الخطوة ستكون “خطأ كبيراً”.
رسمياً، يهدف تواصل حلف شمال الأطلسي إلى شرق آسيا إلى تعزيز التعاون في قضايا مثل “الأمن البحري، والتكنولوجيات الجديدة، والإنترنت، وتغير المناخ، والقدرة على الصمود”. لكن من الناحية العملية، تعد هذه الخطوة بلا شك محاولة لمواجهة الصين، التي يعتبرها الناتو الآن علناً “تحدياً لمصالحه وأمنه “.
وفي اجتماعه مع كيشيدا، أعرب ستولتنبرغ عن قلقه بشأن “الحشد العسكري المكثف للصين” و”تحديث وتوسيع قواتها النووية”.
ولكن من الصعب أن نرى كيف سيستفيد الأمن الأوروبي من الدور العسكري الموسع لحلف شمال الأطلسي في شرق آسيا، وهو ما من شأنه أن يثير استعداء بكين بكل تأكيد.
ومن غير المرجح أن تطمئن بكين إلى نوايا الناتو الدفاعية المزعومة، ويتفق جميع خبراء العلاقات الدولية تقريباً على أنه من المستحيل فك رموز نوايا الدول الأخرى بشكل صحيح. وبدون التأكد من نوايا الآخرين، تميل الدول إلى رفع تأهبها واتخاذ التدابير المضادة. وليس من الضروري أن يكون المرء خبيراً في العلاقات الدولية لكي يتنبأ بإمكانية حدوث ذلك في شرق آسيا إذا ما قرر حلف شمال الأطلسي زيادة تواجده العسكري هناك.
لقد كانت ديناميكية التصعيد المتبادل في غياب اليقين معروفة لدى مجتمع العلاقات الدولية، وغالباً ما يطلق عليها اسم المعضلة الأمنية .
وإذا رأى القادة الصينيون أن انخراط حلف شمال الأطلسي مع دول شرق آسيا يزيد من التهديد الذي تواجهه الصين، فقد يتخذون أيضاً الاحتياطات اللازمة من خلال زيادة الأسلحة وبناء التحالفات.
لذلك فإن تعميق مشاركة الناتو في شرق آسيا ليس له أي سبب، ولن يؤدي إلا إلى استعداء الصين التي لا تشكل تهديداً مباشراً لأوروبا.
وفي عام 2020، تم الاعتراف بذلك حتى من قبل مسؤول الشؤون الخارجية في الاتحاد الأوروبي، بأن طموحات حلف شمال الأطلسي في شرق آسيا تهدد بلا داع بتحويل الصين إلى عدو لأوروبا.
فحين ينحرف حلف شمال الأطلسي عن المنطقة إلى هذا الحد حتى يبدأ في العمل في شرق آسيا، فلابد وأن يتساءل المرء عن الفوائد التي قد تعود على الأمن الأوروبي.
ويبدو أن هناك القليل، إن وجد. بالنسبة للولايات المتحدة، يشكل تحول حلف شمال الأطلسي نحو شرق آسيا أهمية استراتيجية، وتسعى واشنطن إلى الحفاظ على هيمنتها العالمية من خلال ربط شبكات تحالفاتها الفضفاضة في تحالف أكثر صرامة قادر على احتواء الصين الصاعدة.
وبدون أدنى شك، يبدو أن سياسة الناتو الجديدة في شرق آسيا موجهة في المقام الأول من واشنطن.
ولكن أوروبا ليست مضطرة إلى ممارسة ألعاب القوة التي تمارسها الولايات المتحدة، وكما صرح الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في وقت سابق من عام 2023، فإن المشاركة في مثل هذه الألعاب ستكون “فخاً لأوروبا”.
المصدر – آسيا تايمز