فردوس دياب
يعد التنمر الإلكتروني أحد أشكال التنمر والذي ظهر نتيجة التطور التكنولوجي والاستخدام المفرط لمواقع التواصل الاجتماعي وغياب الرقابة عليها، الأمر الذي جعله بيئة ملائمة لانتشاره بسرعة بين مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي.
سلوك غير أخلاقي
السيدة نهاد عوض تحدثت عن ابنتها التي تعرضت إلى التنمر الإلكتروني من خلال القرصنة على حسابها في الفيسبوك وإرسال رسائل ومنشورات باسمها إلى أصدقائها تحمل مضامين غير أخلاقية ومنافية للواقع والحقيقة، أما لونا حبيب وهي طالبة في الحادي عشر فقد بينت أنها تعرضت في وقت سابق إلى تنمر على الفيس بوك نتيجة انتهاك صفحتها وإنشاء صفحة باسمها بعد أن تم وضع صورتها عليها ومن ثم نشر منشورات باسمها وإرسالها إلى أصدقائها.
بدوره قال مؤيد حامد إن التنمر الإلكتروني سلوك غير أخلاقي لأنه يسئ إلى أشخاص ويعتدي على خصوصياتهم ويضر بسمعتهم وقد يوصلهم إلى مهالك خطيرة، وهذا ما أجمع عليه عمر الحلبي وتحسين سالم من أنه انتهاك لخصوصيات الآخرين واعتداء على حياتهم.
فعل عدائي
للغوص أكثر في هذا الموضوع التقينا الدكتورة لينا يونس الأستاذة في كلية التربية اختصاص علم النفس والتي استهلت حديثها بتعريف التنمر الإلكتروني بأنه الفعل العدائي الذي يقوم به الشخص المتنمر إلكترونياً عبر مواقع التواصل الاجتماعي ضد شخص آخر أضعف منه بغرض إلحاق الأذى به سواء أكان مادياً أو معنوياً أو اجتماعياً أو نفسياً، مبينة أن أول من صاغه كمصطلح جديد العالم (بل بلسي) والذي عرفه بأنه استخدام تقنيات المعلومات والاتصالات لفرض سلوك متعمد ومتكرر وعدائي من قبل فرد أو مجموعة من الأفراد بهدف إيذاء الآخرين لفترة ما ضد ضحية غير قادرة على الدفاع عن نفسها، كالمضايقة أو تشويه السمعة أو كشف لمعلومات خاصة أو تقديم و إعطاء ملاحظات مشينة أو مهينة عبر شبكة الإنترنت.
أشكاله
وأوضحت الدكتورة يونس أن المتنمرين إلكترونياً يستخدمون مجموعة من الأشكال والأساليب، أول هذه الأساليب هو التخفي الإلكتروني، الذي يقصد به اللجوء الى أسماء مستعارة لحسابات وهمية للتخفي وخداع الضحية واستدراجها عبر وسائل التواصل الاجتماعي لدخول هذه الحسابات والتعامل معها،الأمر الذي يجعل الشخص الضحية هدفاً مباشراً حيث يسهل على المتنمر إلحاق الأذى به دون خوف من كشف هويته.
وأما الأسلوب الثاني فهو بحسب الأستاذة في كلية التربية، هو المضايقات الإلكترونية حيث يلجأ المتنمر إلى مضايقة الضحية من خلال تحريض الآخرين ضدها والإساءة إليها ومهاجمة حسابها بفيروسات ضارة من أجل اختراقه واستغلاله في نشر معلومات وإشاعات تشوه سمعته، وإرسال صور محرجة لأصدقاء الضحية وإيهامهم أنه هو من أرسلها لها.
وتتابع يونس: هناك أسلوب ثالث للتنمر، هو القذف الإلكتروني أي تعرض الضحية للسب من خلال التعليقات والرسائل البذيئة، وتشويه السمعة من أجل ابتزاز الضحية بعدة أمور واستغلالها وتهديدها لتلبية طلباته.
إهمال اجتماعي
وعن الأسباب الأساسية التي تؤدي إلى التنمر الإلكتروني، بينت يونس أن هناك العديد من الأسباب التي تكمن وراء التنمر الإلكتروني، لعل اهمها الإهمال الاجتماعي والأسري للشخصية المتنمرة، وما يتعرض له من عنف وتربية خاطئة وكذلك عدم الوعي بثقافة الاختلاف بالإضافة إلى غياب دور المدرسة في حال كان المتنمر مراهقاً أو طفلاً، كذلك رغبة المتنمر بإثبات نفسه أمام الآخرين وجذب الانتباه إليه ورغبته بالسيطرة والتحكم بالآخرين، كما أن الغيرة السلبية تعد أحد أهم أسباب انتشار ظاهرة التنمر الإلكتروني، كما أن الخلافات الشخصية تعتبر من أهم الأسباب التي تدفع بالمتنمر إلى أن يتنمر على الشخص الذي يختلف معه، لأنه يعتبر الطريقة الانجع للانتقام منه هي نشر المعلومات عنه والحاق الأذى النفسي.
لايتيح التغذية الراجعة
يكون المتنمر على درجة عالية من الخبرة التكنولوجية من مهارات وكفاءة في إرسال رسائل البريد الإلكتروني ومختلف الرسائل النصية، كما يتصف التنمر الإلكتروني بحسب الدكتورة بعدم وجود مواجهة بين المتنمر والضحية ما يفسح المجال للمتنمر للإساءة والتخفي أكثر، كما أن التنمر الإلكتروني لا يتيح التغذية الراجعة حيث إن المتنمر لا يرى ردود فعل الضحية ما يجعله أقل تعاطفاً معها، كما أن الضحية لا تستطيع الهروب من التنمر الإلكتروني حيث لا يمكنها الاختباء، فيتم التنمر عليها في كل المواقع من خلال الرسائل عبر الشبكة.
مشاكل نفسية وعاطفية
وذكرت يونس أن التنمر ربما ينعكس بشكل سلبي على الأفراد المتعرضين له، فقد يؤدي إلى مشاكل نفسية وعاطفية وسلوكية على المدى الطويل كالاكتئاب والشعور بالوحدة والانطوائية والقلق، كما يلجأ الفرد للسلوك العدواني نتيجة للتنمر، وقد يتحول هو نفسه مع الوقت إلى متنمر أو إلى إنسان عنيف، كما يزداد انسحاب الفرد من الأنشطة الاجتماعية الحاصلة في العائلة أو المدرسة، حتى يصبح إنسانًا صامتًا ومنعزلًا، وقد يوصل التنمر الضحية إلى الانتحار، حيث أثبتت الدراسات أن ضحايا الانتحار بسبب التنمر في ازدياد مستمر وخاصة بعد دخول التنمر الإلكتروني إلى الصورة.
كما أن قلة النوم أو النوم بكثرة والصداع وآلام المعدة وحالات من الخوف والذعر، تعتبر بحسب يونس من آثار التنمر.
برامج علاجية
الدكتورة يونس سلطت الضوء على مجموعة من البرامج العلاجية لمواجهة التنمر الإلكتروني،ومن هذه البرامج (برنامج لويس) لمكافحة التنمر، حيث يقوم هذا البرنامج بتقديم آلية واضحة للمهتمين والمختصين بعلاج التنمر، ويمكن تطبيقها على المنظومة المدرسية، أي على المعلمين وأولياء الأمور والطلاب، ويرتبط نجاحها بتضافر الجهود بين الإدارة والمدرسين وأولياء الأمور والطلاب، وبين الطلاب أنفسهم وبجهود المختصين في هذا المجال من خارج المدرسة.
ومن البرامج العلاجية أيضاً، برنامج معالجة الشخصية المتنمرة ذاتها من خلال تعليمها السلوكيات والتصرفات الإيجابية والقيم الأخلاقية، والتركيز في هذا البرنامج على التغلب على الأفكار الخاطئة التي يحملها بعض الأشخاص المتعالين والمغرورين والأنانيين.
وختمت الدكتورة يونس كلامها بالحديث عن الدور المهم للأهل في مواجهة ظاهرة التنمر الإلكتروني من خلال متابعة أبنائهم والتواجد والحضور في حياتهم الافتراضية، مثل فتح حساب في وسائل التواصل الاجتماعي لمتابعة شؤون وتصرفات الابن بالشبكة وتثقيفه حول السلوك السليم داخلها، والأهم أن يكونوا هم ذاتهم قدوة لأبنائهم وألا يتنمروا في تعاملهم مع الآخرين، والتحدث مع الأبناء حول أضرار ومخاطر التنمر وكيفية تصرفه في حال تعرض للتنمر الإلكتروني وحثهم على التوجه إليهم لطلب المساعدة عند التعرض لهذا السلوك.