الثورة – إعداد ياسر حمزة:
كلمة السر أو ال/ Password /نتذمَّر منها أحياناً، ولكننا في الوقت نفسه نحمِّلها أعمق المعاني وأعزّ الذكريات وكثيراً من آمالنا وأحلامنا, لقد أصبحت جزءاً من نسيج حياتنا اليومية, نختارها بعناية عند اعتمادها، وهاجسنا الأول هو ألاَّ تكون قابلة للتكهن بها من قبل الآخرين. فهي السور الدفاعي الذي يحمي خصوصياتنا وحتى أموالنا.
ولكن في لحظة الاختيار بالذات، ثمة عوامل عديدة غير جانب السرية والطابع الأمني تدخل على الخط وتوجه اختياراتنا.
فقد تكون كلمة السرّ التي نسجِّل فيها دخولنا إلى الأجهزة الإلكترونية المختلفة، أكثر من مجرَّد رمز يفتح أمامنا عالم الإلكترونيات بل هي بمنزلة المدخل الذي ينفذ إلى داخلنا ويكشف أعمق أسرارنا.
فعلى الرغم من أنّ معظم الدراسات المتعلقة بكلمات السرّ ركّزت على الجانب الأمني إلاّ أنّه تبيّن أنّ لهذه الكلمات دلالات نفسيّة مهمة.
فقد ظهر أنّ معظم كلمات السرّ تعكس مروحة كبيرة من المشاعر الإنسانية المختلفة, وكانت أكبر نسبة منها هي الكلمات التي تعّبر عن الحُب حيث اختار عديد من الأشخاص كلمات ترمز إلى أشخاص وأحداث لها قيمة عاطفية.
وهناك نسبة مهمة تحتوي على تعويذات تحفيزية، حيث إن أحد العدَّائِين، على سبيل المثال، كان يستخدم كلمة السرّ «16:59» وهو الوقت الذي يهدف إلى تحقيقه في السباق مسافة 5000 متر.
وكان أحد السجناء السابقين يستخدم الرقم الخاص به عندما كان سجيناً ليذكره بألاَّ يرتكب خطأ آخر يعيده إلى السجن من جديد.
وكانت الآلاف من الكلمات تعبِّر عن الحنين والألم من أمور خسرناها، فكانت إحدى الأمهات، مثلاً، تستخدم اسم طفلها الذي فقدته صغيراً في محاولة منها لإبقاء ذكراه حيّة.
وفي أحيان أخرى عكست الكلمات نوعاً من الدعابة والمرح إذ استخدم بعض الأشخاص كلمة سرّ «غير صحيح» حتى في حال نسيانها يقوم برنامج الكمبيوتر بتوجيههم إلى كلمة السرّ الصحيحة بمجرد أن يشير لهم إلى أنّ كلمة السرّ غير صحيحة.
بالإضافة إلى كلّ ذلك كانت هناك نسبة ضئيلة من كلمات السر التي تعكس الجانب الإنساني المظلم حيث وجدت الآلاف من الكلمات التي تتحدّث عن العنف والقتل.
لقد أصبحت كلمات السرّ بمنزلة طقس يومي نتواجه فيه مع ذكرياتنا الخاصة التي لا يمكننا استرجاعها من أي مكان آخر، إذ أصبح من النادر جداً في حياتنا المعاصرة السريعة أن نستعرض الصور القديمة أو أن نقرأ رسالة شخصية مثلاً, خصوصاً وأن استخدام كلمات السرّ أصبح من الممارسات العالمية حيث إنّ الغني والفقير والشاب والمتقدّم بالعمر والكل تقريباً يتواجه يومياً مع أحد الأجهزة الإلكترونية التي تتطلب تسجيل الدخول إن كانت التحويلات المالية أو الخدمات المصرفية عبر الإنترنت أو البريد الإلكتروني أو بطاقات الاتصال أو غيرها.
منذ سنوات كان معدّل كلمات السرّ لبعض الأشخاص 21 كلمة، ولكن هذا العدد تزايد اليوم حتى وصل عند بعضهم إلى 81 كلمة سر، وذلك وفقاً لشركة Last Pass، وهي الشركة التي تصنّع البرامج لتخزين كلمات السرّ, ويظهر ذلك أنّه على الرغم من أنّ كلمات السرّ تضع ضغوطاً على الذاكرة، وتشعرنا بالدرجة الكبيرة التي يسيطر بها علينا العصر الرقمي، إلا أنّ هناك صعوبة في التخلّي عنها.
يقول علماء النفس إن كلمات السرّ وجدت لتبقى لأنها تشبه الشيفرة التي تحمل عديداً من المعاني، وهذه المعاني التي نحمِّلها لتلك الأحرف والأرقام تجعلها تحمل معها كثيراً من الحنين والمشاعر الخاصة، ما يمنحها نوعاً من الحياة السرّية, وهذه الحياة السرّية هي التي تتوق الطبيعة البشرية إلى المحافظة عليها والتمسك بها على الرغم من تعقيداتها والضغوط التي تفرضها علينا.