ثورة أون لاين- بقلم رئيس التحرير عـــلي قــاســـــــم: تحل النكبة وقد فتحت الديار العربية مضافاتها لنكبات بدأت ولم تنته دورتها بعد، بينما الانتظار على رصيف الذاكرة يكاد يتلاشى ويحار المرء وهو يجول بناظريه في الوضع العربي، فمن أين له أن يلتقط طرف الخيط الذي يوصله إلى فك ألغاز هذا الانحدار الذي لا يكاد يرسو على قاع؟!.
وفي حين تضع النكبة رحالها في الوضع العربي متأبطة ذراع عربان غاصوا في رمالهم المتحركة.. يركن الوضع العربي متأهباً، وفي خفاياه عشرات النكبات التي تزرع حضورها في الساحات العربية، التي انتفضت، وغنى بني يعرب وصدحت أصواتهم بشعارات الحرية والديمقراطية والتغيير والشعب الذي يريد..
في زمن يجمع نكباته على امتداد الناظر العربي، وخلفه يترك رحال النكبة الأصعب والأخطر ويرتد إلى زمن لا تكفي فيه عشرات النكبات، نجد أن ثمة من يغتاظ لأن الذاكرة العربية لم تنس بعد نكبتها الأولى، والأمة ما برحت تحمل على ضفاف أحلامها العودة المنتظرة، في حين تلتف أذرعها حول حقوق زرعتها هناك خلف أسلاك شائكة أو أسيجة مفخخة.
هكذا كانت النكبة في زمن تزاحمت فيه الأحداث على العرب وأضاعوا فيها أولوياتهم، وهكذا هي النكبات العربية اليوم تتوالى خلف حزام المعضلات الكبرى، التي تقف حائرة أمام هذا العصف السياسي المتعدد الأبعاد والأشكال والمتورم فينا أزمات ومخاطر وتحديات، ويعيد أمام ناظرينا ما كانت النكبة قد رفضته قبل 64 عاماً، حيث الاحتلال والاستعمار والأطماع تجدد قناعها وتغرز سكاكينها في الجسد العربي.
ما يضفي أوجاعه فينا أننا نتزاحم مع تلك الأولويات اليوم مما يزيد من اقتراب النكبة فينا.. وإحياؤها الذي لم يكن الإعلام العربي قادراً على لحظه إلا بحدود ضيقة، يغيب عن الساحات السياسية العربية، ويحضر مكانه نكبات تشل الوضع العربي وتتولى زمامه واحتكاراته مشيخات باعت واشترت بالقضية إلى حدود التورم، واصطنعت لنفسها أدواراً ومواقع كي تبصم على ما تبقى منها في صفقة أخيرة.. لملمت إسرائيل أقطابها لتكون قادرة على ابتلاعها دون عسر هضم وتواجه ارتداداتها بمزيد من التجبر على العرب وحقوقهم.
هكذا نستبدل أعلامنا وشعاراتنا في زمن النكبة، بينما علم فلسطين بقي وحيداً أو يغيب في الردهات المهجورة، والفلسطينيون الذين لايزالون يتمسكون به يتضاءلون أمام صفقات البيع والشراء المستشرية في الجسد العربي والتي تروج لها تلك المشيخات وهي تنتج في كل الأحوال ما يشبهها فقط..
على أذرعها الممتدة في الوجدان العربي توزع النكبة اليوم مناديل وداعها.. ولاتزال الأيدي الملوحة بها تقف هناك وحيدة ومنسية بعيداً عن ترف الفنادق ونعمة النفط التي ما فتئت تزيد من أوجاعها وآلامها..
فلسطين.. كما هي النكبة ندوب أخرى في الجسد العربي المكتوي بنار النكبات الجديدة التي ترتسم فيها ملامح التشظي العربي ليكون وفق المعيار النفطي ساعة الصفر الجديدة، وقد آن الأوان لتبديل القلنسوة التي لم تعد صالحة للاستخدام، بل لا تنفع وقد باتت مشيخات الخليج الواجهة الجديدة، فيما امتثلت عباءات النفط تتلون فيها أصابع العم سام مثلما تغلغلت أقدام الصهاينة.