خميس بن عبيد القطيطي – كاتب من سلطنة عمان:
عندما تقوم سلطنة عمان بأدوارها المحورية في القضايا العربية والدولية فإنها على الدوام لا تنتظر أن تتصدر وسائل الإعلام ولا تبحث عن معلقات المدائح من قبل الأشقاء والأصدقاء، فهذه الأدوار والمواقف المشرفة متلازمة عمانية نابعة من الأصول الثابتة الرصينة وعمق التجربة العمانية التي تراكمت خلال تاريخها الطويل وتستند إلى مبادئ الحق والعدل ونشر الخير والسلام والأمان والاستقرار والازدهار.
وهي قواعد مؤسسة على القيم وقواعد القانون الإنساني الدولي وهو جوهر استقلالية الموقف العماني، وبالمقابل فإن هذه الأدوار تفترض عدم التقليل من شأنها أو انتقاصها أو الاستخفاف بها، فهي واجب إنساني عروبي أخلاقي يفترض على بلد مثل عمان أن يقوم به كما قال عنه الرسول “ص” قبل أكثر من 14 قرناً: “لو أنَّ أهل عُمانَ أتيتَ، ما سبُّوك ولا ضربوك” فذلك الأساس المتين والوصف الدقيق الذي وصف به رسولنا الكريم يتجلى اليوم فيما تقدمه عمان من سياسات قائمة على القيم الإنسانية في جهودها الصادقة والتي تتطلب التقدير فقط.
ولا شك أن عمان عندما توسطت بأكثر من ملف في منطقتنا كان بتوافق جميع الأطراف في أي ملف، وآخرها عندما ذهبت إلى اليمن كان بتوافق بين الأشقاء اليمنيين وللثقة التي تحظى بها السلطنة وهي بلا شك تبحث عن نشر السلام والأمن والاستقرار باليمن ولا تبحث عن أي مصالح عابرة، وذهب الوفد العماني في جهود الوساطة أكثر من 4 مرات سابقة بعد أن كانت مسقط هي الحاضن لتلك المفاوضات لسنوات في ظل تلك الظروف التي تعيشها اليمن والحصار والصراع اللذين يضيقان الخناق على الأشقاء هناك فكانت السلطنة هي النافذة والرئة التي يتنفس من خلال إخوتنا في اليمن وهذا بالتأكيد من صميم الواجب العروبي والإنساني والأخلاقي.
المواقف الإنسانية العمانية التي عرفت بها سلطنة عمان عبر تاريخها والتي ترجمتها السياسات العمانية في العقود الخمسة الماضية خلال تولي جلالة السلطان قابوس – رحمه الله – وتستكمل اليوم برعاية كريمة من السلطان هيثم – حفظه الله – هي سياسات عمانية أصيلة تعبر عن استقلالية الموقف العماني وهي تتميز بخصوصية عمانية لا يمكن أن تنحاز لأي طرف أو لأي موقف والتاريخ شاهد على ذلك، وعمان صادقة مع نفسها ومع الآخرين وهي تمارس أدوارها بما يمليه عليها واجبها تجاه الأشقاء لرفع المأساة والمعاناة عن الأشقاء ولم تجن السلطنة أي مصالح مادية بل على العكس من ذلك فكل جهودها التي تقدمها في نشر الخير والسلام تحتسبها عند الله ولا تقدم نفسها على وسائل الإعلام بل تتحرك بهدوء وروية ومثابرة وجهودها تبعث إضاءات لتملأ الآفاق والحمد لله هي جهود موفقة دائماً وذات تأثير كبير على المستوى الإقليمي والدولي.
وإذا عدنا للملف اليمني فمن المهم هنا أن نشير إلى أن الوساطة العمانية كانت سبباً رئيسياً وعظيماً في استمرار الهدنة ووقف إطلاق النار في الصراع الدائر في اليمن ولولا استمرار هذه الهدنة لما وصلت المفاوضات إلى هذه المرحلة المتقدمة اليوم حيث اجتماع الرياض الذي يقدم نتائج مبشرة وكبيرة لإنهاء الأزمة بعون الله، كما أن عمان لا يمكن أن تفرض مواقفها على الآخرين في المباحثات وتحاول بجهودها المستمرة تهيئة الظروف والوصول إلى نقطة النضج في المواقف لتحقيق النجاح وهذا هو دور الوسيط، وهنا تظل عمان هي بارقة الأمل والبلد الآمن لاحتواء الصراعات والخلافات بين الأشقاء والطرف الموثوق به والصادق دائماً والذي لن يتخلى عن دوره المحوري الكبير سائلين الله الخير والسلام والازدهار لليمن الشقيق والوطن العربي عموماً والعالم أجمع.
* المقال ينشر بالتزامن مع صحيفة الوطن العمانية ورأي اليوم