وجهٌ من وجوه الخلود

الملحق الثقافي- فرات إسبر:
من الصعب تحديدُ مناخ أو بيئة معينة ووضع قوالبَ محددة للعمل الأدبي، الذي يتنوع ما بين الشعر والقصة والرواية والسيرة الذاتية وغيرها من أنواع الفنون والآداب.
لكل عمل إبداعي مناخهُ الخاص الذي يظهر من خلال عالمٍ خاص ٍيخلقهُ الكاتب لنفسه، في الخيال أو على أرض الواقع، وبذلك نفهم الفرق بين القصص الواقعية والقصص الخيالية.
في الكتابة الإبداعية نجدُ دائماً السؤال التقليدي والذي يوجه للكّتاب، سواء أكانوا شعراء أو روائيين، لمن تكتب؟.
كبارُ الكّتاب في العالم، كانت أجوبتهم محدودة في إطار معين، وفي خصوصية معينة وأحداث مرتْ في حياتهم أو من صنع خيالهم، ولكن السؤال الذي وُجه للكاتبة النيوزلندية «ايفي ماهوني» كان مختلفاً تماماً إذ لا يمكن تصور تجربة هذه الكاتبة المبدعة وقيمتها الرفيعة على مستوى الإبداع العالمي إلامن خلال التجربة العظيمة التي قامت بها الكاتبة عبر روايتها «ماذا يشبه صوت البحر ؟».
قد يبدو هذا السؤال عادياً بالنسبة لبعض القراء أو المتابعين للأعمال الأدبية، كونهم يملكون القدرة العالية عن التعبير عن ذواتهم وتجربتهم بالنسبة لمتلقيهم، ولكن هناك ما هو أهم ُ وأعمق وأرفع على مستوى الإبداع، والذي هو بحدِ ذاته عمليةُ خلق ووحي وحياة يعيشها المبدع في كل مجالات الاختصاص.
العملية الإبداعية، طاقةُ خلق تُقدم إلى قارئ خلاّق، بارعٌ في اصطياد المعاني والكلمات ويمكن أن يناقش ويحاور المتلقي بكل وسائل التعبير الإنسانية ولكن هذه المسألة كانت حساسة ودقيقة بالنسبة للكاتبة النيوزلندية:ايفي ماوني» التي ولدت في عائلة مؤلفة من أب وأم وكلاهما «أصم» مع 5أخوة ولكن كون «ايفي» هي الكبيرة كان عليها إضافة إلى الكتابة، مسؤولية مهمة بالنسبة لوالديها الأصمين، كان عليها أن تتعلم لغة الصم كي تقوم على رعاية أبويها وتقديم كل أنواع العون والمساعدة.
تقول ايفي: إن والدها كان رجلاً شجاعاً وقوياً، وكان سباحاً ماهراً يغوص في أعماق المحيط ويعود مبتهجاً، حيث قضى عمرهُ على شواطئ نيوزلندا، ولكنه كان لا يسمع صوت البحر.
من هنا يولد الإبداع
ما هي مسؤولية الكاتبة التي تعيش في عائلة صماء ؟
هل لغة الإشارة تكفي بأن تشرح لوالدها من خلال قراءة الشفاه وحركة اليد بأن صوت البحر هو الهسيس عندما يلامس الماء الرمل، وكانت تقرأ على وجه أبيها علامات الفرح وبأنها أحسنت إيصال لغة الإشارة إلى أبيها وأمها، حيث قضت طفولتها وشبابها وجل حياتها تقوم بعمل المترجمة لأبوين لا يسمعان.
وهكذا عاشت الكاتبة بين ثقافتين مختلفتين تماماً فكونها كاتبة كان عليها أن تكتب لقارئين مختلفين وبتعلم لغة الصم، أصبحت مترجمة بارعة للغة الصم في سن مبكرة، وكان عليها قراءة الشفاه إذ أن لغة الشفاه متطورة نسبياً بالنسبة لبقية الطرق التعليمية إذ يقرأُ الأصم معنى الكلمة من الشفاه، وهذا ما كانت تقوم به الكاتبة، وترى تعابير السرور على وجه والديها عندما تفلح بمهمتها، والتي قامت بها على أكمل وجه.
من هنا تظهر أهمية العمل الإبداعي، البعيد عن الفنتازيا والترف الأدبي.
إنها حكاية خلق وإبداع حيث لا يمكن لأي قارئ أو كاتب عادي أن يفهمَ سحر هذه التجربة الخلاقة في العمل الأدبي إذ أن الصمت والكلام والهمس والإشارة عملية إبداعية أيضاً قلة من الكتاب في العالم من عاش هذه التجربة، وقد لا يوجد سوى أيفي هموني.
الكّتابُ يكتبون للشهرة والمجد والمال، يكتبون لقارئ يقرأ لغتهم ويفهم أعمالهم بينما الكاتبة ايفي ماهوني، دخلتْ عالم الكتابة، من عالم الصمت والإشارة من عالم الرعب والخوف بأن لاتسمع صراخها أمٌ ولا يسمع ضحكتها أبٌ في عالمٍ قسا عليها ولكنه منحها لغة الخلود، لغة الرواية العظيمة التي جسدت فيها تجربتها، الإنسانية والروحية والأخلاقية، وأنا أرى أن هذا هو الإبداع الخلّاق.
                      

العدد 1161 –  3-10-2023  

آخر الأخبار
الشعار يبحث تحديات غرفة تجارة وصناعة إدلب شراكة لا إدارة تقليدية.. "الإسكان العسكرية" تتغير! حمص.. 166 عملية في مستشفى العيون الجراحي أسواق حلب.. معاناة نتيجة الظروف المعيشية الصعبة مهارات التواصل.. بين التعلم والأخلاق "تربية حلب": 42 ألف طالب وطالبة في انطلاق تصفيات "تحدي القراءة العربية" درعا.. رؤى فنية لتحسين البنية التحتية للكهرباء طرطوس.. الاطلاع على واقع مياه الشرب بمدينة بانياس وريفها "الصحة": دعم الولادات الطبيعية والحد من العمليات القيصرية المستشار الألماني الجديد يحذر ترامب من التدخل في سياسة بلاده الشرع: لقاءات باريس إيجابية وتميزت برغبة صادقة في تعزيز التعاون فريق "ملهم".. يزرعون الخير ليثمر محبة وفرحاً.. أبو شعر لـ"الثورة": نعمل بصمت والهدف تضميد الجراح وإح... "الصليب الأحمر": ملتزمون بمواصلة الدعم الإنساني ‏في ‏سوريا ‏ "جامعتنا أجمل" .. حملة نظافة في تجمع كليات درعا سيئول وواشنطن وطوكيو تتفق على الرد بحزم على استفزازات بيونغ يانغ تنفيذي الصحفيين يجتمع مع فرع اللاذقية درعا.. تبرع بالدم لدعم مرضى التلاسيميا غارات عنيفة على النبطية .. ولبنان يدعو لوقف الاعتداءات الإسرائيلية "زراعة القنيطرة".. دعم الفلاحين بالمياه والمستلزمات للزراعات الصيفية فلاحو درعا يطالبون بتخفيض أسعار الكهرباء توفير الأسمدة والمحروقات