الملحق الثقافي -ر – س:
استخدمت اللون، كياء النداء، كاسمها، تمحي السواد ولا تُمحَى، الفنانة التشكيلية نداء الدروبي تحيا منذ طفولتها مع اللون هو صوتها ورفيقها الوفي تناديه في عزلتها وفرحها، حتى أنّها واجهت به الحرب التي لم تهزم ريشتها فشرّعت تنسج أحلى الأعمال التشكيلية بعدما فقدت المئات من لوحاتها الفنيّة فصار مرسمها في حمص هباءً منثوراً، ومن يحاور الفنانة الدروبي يجد كمية الحزن في كلماتها، وتماهيها مع فنّها العاشقة له.. أربعون عاماً وهي ترسم الحياة والطبيعة والأرض ودمشق والقضية المقدَّسة. لوحات لم تكن مخصّصة لاقتناء الطبقة المخمليّة لها، بقدر ما كان محتواها الفلاح والعامل والمرأة الريفية، والإحاطة بطبقة الكادحين في عيون الفن التعبيري والواقعي، لتلخّص حكاية الجمال والحياة بلغة اللون والخطوط والرموز والتعبير والتجريد والتشكيل لتكون أصدق من أي لغة، لو لم تكن الحرب أين نداء الدروبي اليوم؟ سؤال وجهته لها، فأجابت: لكنت ملأت الدنيا معارض وفناً وجمالاً، ولكنها الحرب …!
لم ترسم الدروبي وحسب بل كتبت مقالات متخصصة عن الفن التشكيلي، فهي عضو اتحاد الفنانين التشكيليين السوريين وعضو اتحاد الصحفيين الفلسطينيين، ولا تزال تواكب حركته ونشاطه وكأنها تتتبّع هذا الكائن الحيّ الذي يستمد روحه من واقعه، بدءاً من الطبيعة والأرض الطيبة وشموخ الجيش العربي السوري في وجه الحرب، وصولاً إلى ملحمة النصر الخالد.. تتسارع الأحداث فتخلق من اللّوحة مكاناً لها تؤرخه وتوثّقه بطريقة فنيّة جمالية قد تثير الدهشة تارة، والحماس والنجاح والأمل بألوانها المشرقة تارة أخرى، وترى أن هذا الفن لابد أن يلقى دعماً أكثر من ذلك، فماذا ينقص الفن التشكيلي اليوم؟
سؤال أصبح من الصعب الإجابة عنه، وسط هذه الضائقة الاقتصادية التي تحيط بنا، فلم يعد كل ما نتمناه في السابق نحصل عليه بسهولة وبساطة كما كنا سابقاً، لانزال مأسورين في السابق نتجاوز رغم كل الضغوطات التي نعيشها، ليعود الفن التشكيلي أكثر بريقاً وانتعاشاً وحيوية.. نداء الدروبي لشدة حساسيتها وأنت تحاورها تجد رهافة شعورها وإجاباتها الشفيفة والتزامها بنقاط هي ملعبها، فتترك التقييم لغيرها إن كان تقييم فنّها أو تقييم الحركة التشكيلية اليوم.
كيف لا وهي جامحة كحلم لطيف، تطوّع الريشة والسكين لترسم به على القماش مبرزة التأثيرات البصريّة الجميلة على سطح اللوحة وهو يميز أعمالها عن غيرها من الفنانين، مستلهمة من المواد الأولية التي لا تخطر على البال في سبيل أن ينتصر مكون الفن الجمالي لديها وإن كان كيس نايلون.. فتخيلوا!.
هنا يكمن الإبداع الحقيقي وخاصة إن شرب من معين الثقافة بأفقها الرحب والتقط الوجود بحواسه ليعيد تكوينه بروح جديدة، وحده.
الأخير.. فينتصر عليها بريشةٍ وقلمٍ ولون .
العدد 1161 – 3-10-2023