الملحق الثقافي- حسين صقر:
يسعى البشر إلى نظافة الشوارع والبيوت والساحات والحدائق وهو أمر طبيعي، وذلك حفاظاً على المظهر الجمالي للمكان والحفاظ عليه، ويسعون بكل طاقاتهم للقيام بذلك عبر المؤسسات الخدمية والعناصر التابعة لها.
يتناسى بعض هؤلاء ما يسمى بنظافة الفكر، والحفاظ على بيئة نقية لا يشوبها أي أفكار أو مصطلحات وعادات دخيلة، وذلك يعود لسببين إما يخدمون بذلك مشاريع وأجندات خارجية يستفيدون من ورائها ويتبعون أهواءهم ومصالحهم، أو من ينادون بنظافة الفكر لا يتبعونهم ويعارضونهم في جلساتهم وحواراتهم، وكلا الأمرين خطيران.
فكلمة النظافة، إذاً لا تعني نظافة الجسد و الثياب و المنزل و ما هنالك، وهي مفردة لا تشمل المعاني الحسية فقط، بل تندرج إلى نوافذ معنويّة وقيمية، تتعلق بمجالات الحياة المختلفة وعلاقات الإنسان مع المحيط، في وقت لايحتاجان الفكر والعقل إلى الماء و مواد التّنظيف لتنظيفهما، ولكنهما بحاجة إلى التطهير والتنقيه من الأفكار السلبية والنيات الخبيثة، والحرص على التّعامل مع الحقائق بموضوعية، والتصرّف وفق القيم والأخلاق النبيلة والطرق السليمة والمدروسة، لأنه عندما تتلوث العقول، ويتم إغلاقها عن رؤية الحق وإعلاء رايته، يتحرك الخيال لخدمة الباطل وتتوظف كل الإمكانات العقلية للنيل من الحقيقة، وحرمان الحياة من طاقاتها وإسهاماتها، لتصبح في خدمة الفاسدين وعديمي الضمير.
وبناء عليه فنظافة العقول تؤدي بالنتيجة لنقاء القلوب، وغسلها من الأحقاد والشرور، ما يؤدي لمحاسبة الذات والابتعاد بها عن الأنانيات والأهواء المنحرفة، والغلّ والضغائن، لتكون قلوب ملأى بمشاعر المحبة والرحمة والمودة والعطف على الآخرين، وسعة التحمل والصبر والتضحية والإيثار والتواضع.
فلا يكفي أن يواظب الإنسان على نظافة جسده وثوبه وما يحيط به، رغم أهمية ذلك، ولكنه بحاجة دوما إلى المواظبة والحرص على تنظيف عقله مما يضره، ويسوّد قلبه، عندها فقط تأخذ النظافة كل أبعادها وتحقّق قيمتها الفاعلة في جميع مناحي الحياة.
لا نغالي إذا قلنا: إن نظرنا اليوم في عقول البعض، لاتضحت أمامنا صورة مشوهة، تؤكد أن قلوبهم غير ألسنتهم، فقلوبهم ملأى بالغل، وكلامهم معسول، يتحركون في مجال الباطل، ويبتعدون عن فضاءات الحق وسماوات التسامح، وجل اهتمامهم تخريب عقول البسطاء والسير على كراماتهم للوصول إلى غاياتهم وأهدافهم.
بنظافة العقول نعيش الإيمان حقيقة وواقعاً، وحتى نحسّ بقيمة النظافة، وما تعنيه من مفاعيل وآثار نافعة ومهمة في إعادة الأمور إلى طبيعتها وصحتها وحيويتها، نحتاج إلى الإرادة والوعي والحكمة والإخلاص والإحساس بالمسؤولية والصدق والتعامل مع الآخرين والترفع عن العلاقات المصلحية، والمنافع الشخصية.
وقد قال الكاتب الإيرلندي الشهير جورج برنارد شو: «ما أجمل النّظافة! ولكن ما أعظمها عندما تكون في عقولنا! «
فالحاجة ملحة وبقوة إلى ترميم بعض العقول ونظافة بعض القلوب والسلوكيات والتصرفات، تلك السلوكيات التي تحاول أن تحرف مسار الحياة لتحرم الغير من إبراز طاقاته وإسهاماته، نحتاج إلى تنظيف فِعلي لنستشعر قيمة النظافة في حقيقتها.
تلك النظافة التي ستعيد الكثير من الأمور إلى مساراتها الصحيحة، فحتماً بعد تنظيف العقول سينعكس ذلك تدريجياً على ما حولنا..
العدد 1161 – 3-10-2023