“الحوار شكلٌ من أشكال الوجود الإنساني”..
التصقتْ بالعبارة وكما لو أن لها جسداً حياً يمكن أن تتكئ عليه..
وهو ما كان..
فاتكأتْ عليها أفكارها وبحثت بطريقة تفكير صاحب تلك الفلسفة “مارتن بوبر” الذي جعل ركيزتها قائمة على الحوار.. وألذ ما احتوت عليها أفكاره رؤيته (الآخر) طريقاً أو سبباً للنعيم.
لن نصل إلى ذلك إلا عبر تعزيز ثنائية حوارية بين (أنا- أنت) التي من خلالها نصل إلى (أنا) حقيقية.
تنقسم العلاقات الإنسانية لدى “مارتن بوبر” إلى نوعين، الأولى هي (أنا- أنت)، والثانية هي (أنا، هو) وهذه الثانية لربما انتقلت بفضل الحوار لتصبح (أنا- أنت).
فكلّ “ذات” ترى نفسها في (الآخر) عبر الحوار.. وذلك يمنحنا فرصةً للنمو والتطور وبالتالي إلى فهم ذواتنا أكثر.
يخطر لها أن طريقة تكريس الحوار التي تحدّث عنها “بوبر” تقترب من جعله أسلوباً لمراقصة الأفكار وتجاذبها ما بين طرفين (أنا- أنت)..
وكلّما كانت حركة أفكارنا منسجمةً ومضبوطةً وفق قواعد: الصدق، الانفتاح، وحفاظ كلّ من الطرفين على (ذاته، آخريته) بمعنى عدم الاندماج مع الطرف الآخر حدّ التماهي، لأن ذلك يحوّلهما إلى ذات واحدة بجسدين، بالحفاظ على هكذا نوع من الضوابط يتطور الحوار ويرتقي ليصبح كما رأى “بوبر” في كتابه (أنا- أنت) عملية إبداع.
كلّما أتقنا الحوار.. أبدعنا في حضورنا الإنساني.
الحوار.. رقصٌ فكري يؤمّن مساحةً واسعة لحضور (أنا- أنت).
تدرك تماماً أن ما كان ينقص ثنائيتهما هو هذا النوع من الرقص.
أفكار “بوبر” عن علاقة (أنا- أنت) التي يصبح فيها الإنسان كاملاً من خلال علاقته بالذات الأخرى، تعبّر عن قناعتها.. لكن ليس بالضرورة أن تعبّر عن قناعة الآخر.. ولهذا تبقى أحياناً حواراتنا مع هذا الآخر مجتزأة .. شيء ما ينقصها ويجعلها خارج إطار (أنا- أنت)..
ذاك الآخر.. كأنه كان يجعل من حواراتهما مساحة لرقص أفكاره وحدها.. وبالتالي كل ما يجري بينهما يصبح ضمن علاقة (أنا- هو)..
أخيراً.. اقتنعتْ أنه يجب تحويل كل “أنت” في بعض الأوقات إلى “هو”..
الآن هما متكافئان.. تتراقص أفكارهما عن بُعدٍ.. ويغلق كل منهما دائرة علاقاته بثنائية (أنا- هو)..
لكن السؤال الذي واجهته: ألا يخلق تصنيف علاقاتنا ضمن (أنا- هو) نوعاً من الأنا العالية جداً.. وربما المتعالية أكثر..؟