رشا سلوم:
تمثل الفلسفة اليونانية مرحلة متطورة من الفكر الفلسفي ولا تزال قادرة على أن تكون ركيزة الانطلاق في تطوير وتجديد أي فكر فلسفي.
وبالوقت نفسه مدار بحث وتحليل وقراءات جديدة وفق مناهج متعددة.
الجديد في هذا المجال كتاب
(موجز تاريخ الفلسفة اليونانية) تأليف: جون مارشال، ترجمة: حنا عبود.
صدر عن الهيئة العامة السورية للكتاب بدمشق
يتناول الكتاب تاريخ الفلسفة وأسماء الفلاسفة القدماء وتطور المدارس الفكرية منذ بدايتها. يطرح الكاتب البريطاني جون مارشال فكرة مفادها أن كتابات سقراط وأفلاطون وأرسطو لا تزال تؤثر في حياة الناس اليوم، ويقدم لنا عرضاً شائقاً وشاملاً للمدارس التي استندت إليها الفلسفة اليونانية القديمة. يُعد هذا الكتاب مرجعاً مهماً لكل من يريد التعمق في تاريخ الفلسفة الغربية وأبرز الفلاسفة فيها. وعلى الرغم من الإيجاز الذي يتسم به الكتاب، إلا أنه يضيف معلومات مفيدة حول المناقشات والآراء التي تبحث في إشكالات الفلسفة اليونانية القديمة
من محطات الفلسفة اليونانية
نقف عند بعض ملامح الفكر الفلسفي اليوناني في هذه العجالة إذ تقول الموسوعة الحرة متحدثة عن سقراط وأفلاطون؛
بحث سقراط، الذي في بعض النواحي يرتبط بالسفسطة، يتحرك في اتجاه يربط بين حب المعرفة ومسألة الأخلاق (وذلك بهدف إنشاء أخلاقية عالمية).
في معارضة السفسطائيين رفض سقراط النسبوية والعدمية، سواء في الأخلاق أو في نظرية المعرفة، الحكيم الحقيقي، بداية من ضرورة القبول بجهله، هو الذي يجعل نفسه موضوع المسألة الخاصة به، منفتح للمقارنة والمناقشة. الحكيم هو الذي يسعى ويدري كيفية طرح الأسئلة وإثارتها في الآخرين. الشك السقراطي يهدف إلى الحقيقة بطريقة نزيهة (أو بدون غرض). ولا يسعى للبحث عنها خارج نفسه، بل في جوهر كينونته، التي وصفها بأنها «دايمون» (أي الشيطان، والتي تعني أيضاً مزاج أو طابع). الفلسفة بالنسبة له كعمل القبالة تماماً، أو بالأحرى الفن الذي يضع الناس في موضع يمكنهم من توليد الحقيقة من الروح.
وصل إلى نتيجة أنه لا يمكن فصل الخير عن المعرفة: لا يمكنك اتباع الخير إن لم تعرفه، إذا كنت تعرف ذلك. بينما سقراط ترك بحثه الفلسفي غير محدد ويكتنفه الغموض، تلميذه أفلاطون (427-347 ق.م) وصل إلى درجة أعلى من التأمل وعرّف الفكرة بالموضوع الحقيقي للمعرفة الإنسانية. هذه الفكرة كان يجب أن تحل ليس فقط مسألة «ماذا» نعرف التي أثارها سقراط، ولكن أيضاً مواضيع الانقسام والاختلاف التي نشأت بين بارمنيدس وهيراكليتس.
في الواقع كان هناك حالات من السكون والاستقامة لبارمنيدس من ناحية، ولكنها كانت تشمل هيراكليتس: وهكذا، على سبيل المثال الأبيض والأسود تبقى مصطلحات متناقضة ومتعددة على مستوى حسي (جمالي وأخلاقي)، مع ذلك يمكن فهم الاختلاف عن طريق الوصول إلى القاسم المشترك بينهما، ألا وهو فكرة اللون. الفكرة هي الأصل (والهدف النهائي) للوصول سواء للحقيقة أو المعرفة لأنها النمط والنموذج الذي عملت منه الأشياء الواقعية ومن خلاله يمكن معرفتها. العملية العقلية التي تبدأ من الحساسية المتعددة إلى وضوح واحد، سماها أفلاطون الجدلية. التي هي الفلسفة نفسها، وشبهها بالحب، وفسرها بالتأمل الاجتماعي، واستخدمها في الحوار مع الشخصيات الأخرى. وظيفة هذا الحوار هي ظاهرية أكثر من أن تكون حقيقية، تسمح للفيلسوف بتوجيه بحثه بعيداً عن الأخطاء الناجمة عن المظهرية، مدفوع من الرغبة «الشهوانية» للوصول للمعرفه. الفكرة تتوج هذه العملية وتتجاوز التفاصيل الانتقالية للكيانات المحسوسة، على الرغم من أنها الأساس.
حاول أفلاطون حل المشكلة التي نشأت مع بارمنيدس، عن طبيعة الكينونة. بارمنيدس قال إن الموجود يكون، وغير الموجود لا يكون، ولكن بعيداً عن حشو الكلام لم يحدد ماذا هي هذه الكينونة. وبهذه الطريقة أصبح من المستحيل معرفتها، فهمها، أو التحدث إليها. أما أفلاطون باللجوء إلى عالم الفكار سعى إلى تشييء الكينونة، من أجل تحديد الأفكار وتنظيمها بشكل هرمي، من الكينونة الأدنى إلى الأقصى حتى الوصول إلى فكرة الخير العليا.
هذا التسلسل الهرمي يسمح بالحصول على المعرفة، لأن المقارنة الجدلية بين حقائق مختلفة، بين ما هو أعلى (الكينونة) وما هو أدنى اللاكينونة) تجعل المعرفة ممكنة. مقارنة ببارمنيدس، الذي تصور أن الوجود وغير الوجود منفصلان، متعارضان وغير متواصلين، أفلاطون اعترف بوجود انتقال تدريجي من الوجود تلا اللاوجود.
عند هذه النقطة ظهرت ازدواجية عالم الأفكار والعالم الدنيوي: مفهوم العالم المثالي، بالنسبة للبشر غير واع ونائم) يستيقظ من خلال التجربة الحسية. المعرفة هي تذكر ما كنا نعرف سابقاً، ولكننا نسيناه. وقد عاشت هذه الازدواجية في نفس افلاطون أحياناً بتفاؤل وأحياناً بتشاؤم، لأنها كانت تشمل ليس فقط المعرفة ولكن أيضاً جوهر الأخلاق الإنسانية، وقد تجلت من خلال أساطير مثل المغارة والعربة، والإيروس الخ.
التي تقدم الصعود أو العودة إلى الحقيقية والخير.
حتى في السياسة وضع أفلاطون هدف الكمال: الدولة يجب أن تنظم على أساس التقسيم إلى طبقات اجتماعية، متطابقة مع عناصر النفس البشرية (الرشد والفكر والشهوانية) واعترف أيضاً بالمساواة بين الرجال والنساء. فنان في التعبير الشعري، كان يهدف إلى خفض قيمة الفن الفلسفية، بسبب إنتاجها المقلد للطبيعة، والتي بدورها تقليد للفكرة.
كتاب (موجز تاريخ الفلسفة اليونانية) تأليف: جون مارشال، ترجمة: حنا عبود. صادر حديثاً عن الهيئة العامة السورية للكتاب.